هل تآمر الرئيس غني مع “طالبان” لإبقاء السلطة ضمن قبيلته؟
بقلم: كاميليا انتخابي فرد
كاميليا انتخابي فرد * رئيس تحرير اندبندنت فارسية
النشرة الدولية –
صباح الأحد 15 أغسطس (آب)، ذهب نحو 200 فرد من القوات الخاصة بالرئيس الأفغاني إلى وزارة الدفاع. وكانوا مكلفين بالإعداد لزيارة يقوم بها الرئيس أشرف غني إلى الوزارة.
وقبيل ذلك، أُبلغ وزير الدفاع آنذاك، الجنرال بسم الله محمدي، بأن الرئيس غني يرغب في زيارة الوزارة لإجراء محادثات.
وفي الليلة السابقة، كان الرئيس غني التقى مجموعة شيوخ ووزراء حكومته في القصر الرئاسي. ووفق أشخاص حضروا الاجتماع، سُئل غني أن يفعل شيئاً إزاء رفض “طالبان”، التي كانت تتقدم بسرعة، التفاوض معه. ووعد الرئيس بالاستقالة من منصبه وإرسال وفد تفاوضي إلى قطر يستطيع التحدث إلى “طالبان” من أجل تشكيل إدارة انتقالية. وتلقت الحركة الرسالة وكانت تنتظر وصول وفد إلى الدوحة من كابول، الإثنين. وكانت المحادثات ستتناول تشكيل حكومة جديدة بمشاركة عبد الله عبد الله وحامد كرزاي.
لكن الأحد، حصلت حادثة أخرى أيضاً. إذ اتصل مسؤول في الحرس الخاص بالرئيس بالجنرال محمدي من القصر الرئاسي وأعلن أن الرئيس غني، قبل 15 دقيقة من الاتصال، غادر القصر في مروحية مع أشخاص مقربين منه.
لقد كانت قصة زيارة غني إلى وزارة الدفاع خدعة منذ البداية. وهكذا، كان عدد كبير من أعضاء الحرس الرئاسي مشغولين سلفاً في الوزارة في حين أُبقِي الجنرال محمدي، البنجشيري المخضرم الذي كان قد قاتل لسنوات إلى جانب أحمد شاه مسعود الأسطوري، مشتت الانتباه.
ويقول بسم الله محمدي “فور أن تلقيت الرسالة، نظرت من نافذة وزارة الدفاع إلى قلب القصر الرئاسي. رأيت سلسلة من السيارات المليئة بأشخاص مسلحين تتجه إلى القصر على المسار الذي يربطه بالوزارة”. (يربط مسار ضيق المبنيين المشرفين على بضعهما بعضاً).
ووفق تقديرات محمدي، شُوهدت نحو من 50 إلى 60 سيارة تتحرك نحو القصر.
وسقط القصر خلال أقل من نصف ساعة من مغادرة غني بأيدي مجموعة نعرف الآن أنها تنتمي إلى فصيل حقاني في “طالبان”.
كيف استطاع إرهابيو حقاني الوصول بهذه السرعة إلى كابول من مواقعهم خارج العاصمة؟ يبدو أنهم كانوا يعملون مع متواطئين داخل القصر الرئاسي وكانت لهم مواقع [مواطئ قدم] سابقة في المدينة. وقبل أن يتمكن وزير الدفاع من التصرف لحماية مكتب الرئيس، وصلوا إلى القصر الرئاسي. ويثير الهجوم شبه الصاعق شبهة أن الرئيس غني ومجموعة حقاني، التي تنتمي إلى كونفدرالية البشتون القبلية نفسها مثله، أي الغلزاي، كانا يتآمران معاً؛ لقد سُلم القصر الرئاسي إلى “طالبان” بالتزامن مع فرار غني. أما الشخص الوحيد الذي كان في مقدوره الحيلولة دون استحواذ “طالبان” على القصر، أي وزير الدفاع، فأُبعد.
ووفق ما قاله بعض أعضاء الحرس الخاص للجنرال محمدي، حين حاولوا منع غني وآخرين مثل حمد الله محب (رئيس مجلس الأمن القومي) من مغادرة القصر الرئاسي إلى مروحيتهم، شتت قوات خاصة موالية لغني انتباههم بأن رمت في اتجاههم أكياساً مليئة بالدولارات الأميركية. وهكذا عدوا أوراقاً مالية في حين كان الرئيس الأفغاني يفر من البلاد.
وعلى هذا المنوال تعاون غني وأشخاص مقربون منه مع مجموعة حقاني لصدمة لا الشعب الأفغاني والعالم فحسب بل كذلك الوفد المفاوض في الدوحة الذي اعتقد أعضاؤه أنهم على وشك الإمساك بالسلطة، أي أعضاء “طالبان” الدورانيين المتحدرين من مدينة قندهار الجنوبية والمقربين من الرئيس السابق كرزاي.
وتبين أدلة كثيرة أن السنوات الكثيرة الأخيرة التي قضاها غني في السلطة شابها صراع بين الغلزاي والدورانيين. وعنى الصدام بين كرزاي وغني، المندرج ضمن هذا الصراع الإثني الشديد على السلطة، أن كرزاي على الرغم من دعمه لوصول غني إلى السلطة، حاول لاحقاً تقويض حكمه. ولفكرة تشكيل إدارة انتقالية برئاسة كرزاي جذور أيضاً في هذا الصراع القبلي داخل البشتون.
فالكونفدراليتان القبليتان الكبيرتان [التحالفان القبليان الكبيران]، [بين قبائل] الغلزاي والدوراني، لطالما تنافستا مع بعضهما بعضاً. ويُعد صراعهما على السلطة موضوعاً بارزاً في التاريخ السياسي الأفغاني. وفي بحث الغلزاي عن داعم قوي، تقربوا من باكستان (رئيس وزراء باكستان الحالي، عمران خان، من الغلزاي أيضاً). ومن ناحية أخرى، وجد السياسيون الدورانيون أنفسهم أقرب إلى قطر، التي أصبحت، بفضل ثروتها الضخمة، من أصحاب النفوذ البارزين في المنطقة.
والموضوع نفسه الذي حرك الصدام بين غني وكرزاي سيحرك صداماً بين سراج الدين حقاني، الغلزاي الذي يعتبر نفسه خليفة، وهبة الله أخوند زاده، الدوراني الذي يفضل لقب أمير المؤمنين. وإذا كان أخوند زاده حياً حقاً وظهر في النهاية على شاشات التلفزيون، ستشتد المنافسة. وإذا ثبت أنه ميت، سيكون أمير المؤمنين الجديد الملا برادر من قندهار.
ويسيطر “الحقانيون” [نسبة إلى حقاني] الآن على كابول. ويتألف الكادر السياسي لهذا الفصيل من إرهابيين أُطلق سراحهم من السجون وتدعمهم باكستان. ومعظم العمليات الإرهابية التي نفذتها المجموعة، وأوامر الزحف الحربي ضد الولايات المتحدة، قررها أيضاً الحقانيون في “طالبان”.
وفي التنظيم الحالي، سراج الدين حقاني، الإرهابي المعروف، هو نائب أخوند زاده. وسيكون من السخف افتراض أن الولايات المتحدة لا تعي الخلفية الإرهابية لهؤلاء الأشخاص أو وجودهم في كابول.
ويمكننا بالتالي أن نستنتج أن قيادة “طالبان”، أيضاً، غارقة في نزاعات إثنية وقبلية بين الدورّانيين والغلزاي، وأن هذه التوترات يمكن أن تُضاف إلى التحديات والمنافسات المتزايدة. وهذا صحيح في شكل خاص لأننا لم نشهد بعد إثباتاً على أن أخوند زاده حي يرزق.
إذ تمر أفغانستان في اضطرابات سببها الانسحاب السريع للقوات الأميركية، وإذ يواجه شعبها، لا سيما في بنجشير، تهديدات أمنية، يبدو أن كبار الإرهابيين يعدون العدة لتسلم سلطة مطلقة في أفغانستان. ويقترب سراج الدين حقاني من الاستحواذ على خلافة فعلية لنفسه؛ وستنتقل السلطة في شكل تام من الدوراني إلى الغلزاي. وهذا يفسر السبب الذي جعل أنصار السيد حقاني يعتادون مناداته بالخليفة– هم يمهدون الطريق لوصوله إلى أعلى موقع في قيادة “طالبان”.
وتخبرنا أحداث الأسبوعين الأخيرين في أفغانستان وفرار الرئيس غني في الوقت غير المناسب أنه نقل السلطة إلى أشخاص في كونفدراليته القبلية، أي الباكتيين الغلزاي. ولهذا السبب لم يف بوعده بالاستقالة. ففي مؤامرة مع قادة كونفدراليته القبلية، خان شعبه وخدع حكومته لكي تنتقل السلطة إلى كونفدراليته القبلية.
ويخبرنا من كانوا في القصر الرئاسي ذلك اليوم، أي قوات الحرس الجمهوري الخاصة، أنهم وبسبب الخوف لم يستطيعوا سوى تغيير ملابسهم وإلقاء أسلحتهم والفرار.
لم تسقط كابول في 15 أغسطس. لقد ضُحي بها في مؤامرة بين الرئيس الحالي وشبكة حقاني.