تأثير “الشراكة مع طالبان” في الداخل الأميركي
بقلم: وليد فارس

النشرة الدولية –

لا تزال الأكثرية الشعبية تستوعب الصدمة الناجمة عن الانقلاب في السياسة الأميركية الذي أدى إلى التضحية بالديمقراطية الشابة في أفغانستان وتسليمها إلى حركة “طالبان”، فالأميركيون العاديون الذين رافقوا الحرب على الإرهاب في أفغانستان، وأيدوا قواتهم المسلحة لعشرين عاماً، وضحّوا بأبنائهم وبناتهم، وبتريليونات من الدولارات، لا يفهمون حتى الآن ما معنى حرباً أعادت العدو الأساسي إلى السلطة من دون أن يغير هذا الأخير بأنملة في عقيدته المسؤولة عن هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، والحروب التكفيرية في العالم (المعروفة بالجهادية في الغرب).

“طالبان” لا تزال إرهابية، وحامية للشبكات الإقليمية للتكفيريين، وللميليشيات الإخوانية، وأهم من ذلك، أن قيادتها لم تقم بنقد ذاتي، ولم تعلن أية إصلاحات لا فكرية ولا سياسية، لكي يمكن اعتبارها “شريكة” بأي شيء ولكن، الأهم أنها سيطرت على البلاد بعملية عسكرية تشبه الانقلاب أكثر من ثورة مسلحة.

كل ذلك لم يستوعبه معظم الأميركيين حتى الآن، على الرغم من الشعار الشعبوي المؤثر، وهو “إنهاء الحروب اللامتناهية” الذي رفعه دونالد ترمب، وأعاد رفعه جو بايدن، الحالة النفسية لدى الرأي العام في الولايات المتحدة هي في تضعضع، وضيعان، وغضب، وخوف، لا سيما أن بايدن لم يهيئ الشعب الأميركي لهكذا زلزال. فما هي يا ترى تداعيات الانسحاب الأميركي الفاشل، وإحكام سيطرة “طالبان” على أفغانستان؟

أفغانستان والذاكرة الأميركية

يشعر معظم الأميركيين أن حرب أفغانستان باتت جزءاً من ذاكرتهم الجماعية منذ عشرين عاماً، كما كتبنا سابقاً، فالشعب الأميركي يشعر أنه قدّم الكثير، والكثير، لعقدين من أجل حماية بلاده من هجمات إرهابية، وبناء ديمقراطية شابة لتدافع عن نفسها ضد العدو المشترك نفسه، وليس انهيار الوضع في أفغانستان في خلال أسبوع بشكل دراماتيكي إلا صفعة نفسية عميقة لعامة الشعب، لا سيما أن آلاف العائلات قد فقدت أبناء وبناتاً خلال خدمتهم في أفغانستان، وعشرات الآلاف أصيبوا وفقدوا رجلاً أو ذراعاً أو عيناً في تلك الحرب الطويلة. أضف إلى ذلك، أن مئات الآلاف من الأميركيين قد خدموا في القوات المسلحة على الأراضي الأفغانية، لذلك، فإن أفغانستان باتت جزءاً من الاختبار الشخصي لملايين الأميركيين، بخاصة أن كل الإدارات الأميركية قد دعمت هذا الجهد، ديمقراطيون وجمهوريون.

وبنظر الرأي العام، حتى إدارة باراك أوباما التي أقامت شراكة مع “الإخوان المسلمين”، اعتبرت أفغانستان “جبهة أساسية ضد الإرهاب”. لذا ما يسمى “بالشارع الأميركي”، (وهي أكثر عبارة عربية منها أميركية)، لا يفهم ما حصل تحت إدارة بايدن: لماذا هكذا انسحاب أدى إلى سقوط تلك البلاد كلياً “تحت سلطة الإرهابيين الذين حاربتهم أميركا عشرين عاماً”؟ من هنا، فإن الداخل الأميركي قد دخل ضباباً نفسياً وسياسياً للأشهر الآتية، وقد يكون لذلك تأثير في الوضع السياسي بما فيه الانتخابات الهادرة العام المقبل والانتخابات الرئاسية في 2024.

فريق بايدن يعلل

كما أشرنا في مقالات ومقابلات سابقة، إدارة بايدن انخرطت في مشروع الانسحاب، آملة أن تحظى بتأييد الشعب الأميركي، بسبب ما اعتبرته شعوراً عارماً بضرورة “إنهاء الحروب الأبدية”، إلا أن الرياح هبّت بما لم تشتهيه سفينة بايدن، فـ “طالبان” شبّت على المدن والعاصمة، وبدأت بممارساتها المعروفة فوراً، لا سيما ضدّ النساء، والأقليات، والمعتدلين، وباشرت القتال في “بنجشير”، وجاء ذلك أولاً على واقع دراما اللاجئين في منطقة المطار في كابول. فانتشر الاستياء العارم في أميركا ضد الإدارة، وسارع فريقها للدفاع عن قرار الانسحاب متحججاً بأن هذه الحروب يجب ألا تتحول إلى حروب أهلية، فردّ المنتقدون أن حرب أفغانستان لم تكن أهلية بل مقاومة ضد الإرهاب، وقد تتحول الآن إلى أهلية بفضل مواجهة “طالبان” مع المجموعات الإثنية في الشمال.

ورد فريق بايدن أن ترمب هو المسؤول عن الانسحاب الذي تفاوض حوله مع الحركة في الدوحة، ووقعه في بداية 2020، فردت المعارضة أن اتفاق الدوحة الأول شمل اتفاقاً مع الحكومة الشرعية المنتخبة في أفغانستان، وليس اجتياحاً “طالبانياً” لكابول ومؤسساتها، ما فتح باب المساءلة حول علم فريق بايدن بالانقلاب مسبقاً، وأسباب عدم تصدي واشنطن للاجتياح الميليشياوي للبلاد.

الجمهوريون

ومع تصدع معللات الإدارة، صعّدت المعارضة الجمهورية حملتها على البيت الأبيض متهمة إياه بالتسرع وبتسليم أفغانستان إلى الإرهابيين، وطالبت بإقالة أو استقالة وزراء الدفاع والخارجية ومستشار الأمن القومي وغيرهم. ويأمل المعارضون بأن تستمر حملة الضغط إلى نهاية العام حيث تبدأ الحملات الانتخابية للانتخابات التشريعية النصفية، كما يأمل الجمهوريون بأن تشكل أزمة الانسحاب مادة تفرض أكثرية في مجلس الشيوخ والمجلس النيابي تعارض بايدن، وتحد من سياساته، كما حدث مع جورج بوش في 2007، ومع أوباما في 2011، ويأمل أنصار ترمب بأن انتصاراً في الكونغرس في 2022 قد يساعد على انتصار في انتخابات 2024 الرئاسية.

المحور الأوبامي

المعسكر الأوسع المؤيد لبايدن، والذي يقوده عملياً الرئيس السابق باراك أوباما، يعتقد أنه مع مرور الوقت، وضغط الحياة اليومية، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، سينسى المواطن العادي مسألة أفغانستان، ولا يأبه للشراكة مع “طالبان”، ويغطي الإعلام الليبرالي اليساري على أخطاء بايدن، ويساعد في عملية النسيان، قصر عمر التركيز “short attention span” للأميركيين، فالصحافة قادرة على صنع الحدث، وقادرة على محوه من الأذهان، بتقدير المؤسسة الحاكمة.

ينسون أو لن ينسوا؟

صحيح أن الثقافة الأميركية استهلاكية إلى أبعد الحدود، وللأكاديميا والإعلام “Mainstream”، التأثير الحاسم في إدارة النقاش وتوجيه الناس. ونعرف جيداً كيف أن مواضيع مثيرة، “sensational” قادرة على جرف ملفات الأمن القومي بسرعة، فتدفع شعوباً ودولاً عبر العالم الثمن لإبعاد الأضواء عنها. إذاً، احتمال النسيان لدى أكثرية المواطنين الأميركيين كبير. إلا أن مسألة أفغانستان أكبر من النسيان، لأنها دخلت إلى قلب العائلات لعقدين، فالذين خدموا، والذين فقدوا أحباء، والذين صلوا لعودة الأحباء، والذين سمعوا عن المهمة، أي أفغانستان منذ ولادتهم، وهم في العشرين من عمرهم، من الصعب أن ينسوا.

في الخلاصة، احتمالان لا ثالث لهما، إما أن ينجح فريق بايدن بأن يفتح ملفات أكثر إثارة أو أكبر ضجة من تداعيات الخروج من أفغانستان، ويبقي على التوازن السياسي الحالي ليدخل العام 2022 الانتخابي، ويستفيد من آلة أوباما الإعلامية الهائلة ليدافع عن أكثريته في الكونغرس، أو يستمر جمر المشاعر الأميركية تجاه نكبة أفغانستان حتى العام المقبل، فينفجر كوكب غضب يطيح بالأكثرية الحالية، ويمهد لإدارة جمهورية في 2024، أياً كانت التطورات، سيكون لسيطرة “طالبان” وقع مدوّ في السياسة الداخلية للولايات المتحدة الأميركية، عاجلاً أم آجلاً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى