من “الدولة – الحاجز” إلى “الجبهة الأمامية”
بقلم: رفيق خوري
النشرة الدولية –
تعددت المواعيد والمأزق واحد في لبنان، وتنوّعت الأزمات والهرب من الحل واحد. فالوطن الصغير المأزوم على موعد مع “جهنم” في خطاب المسؤولين وأفعالهم، وهو على موعد دائم مع “نصر إلهي” في خطاب “حزب الله”، منذ الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني عام 2000، ثم الفشل الإسرائيلي في تحقيق أهدافه خلال حرب 2006، وصولاً إلى تبادل القصف الصاروخي في “مناطق مفتوحة” لمنع العدو من تغيير “قواعد الاشتباك”.
أما في الأمم المتحدة، فإنه على موعد سنوي في نهاية أغسطس (آب)، لتمديد مهمة قوات “اليونيفيل” الدولية في الجنوب اللبناني. وعشيّة كل تمديد تطالب أميركا وإسرائيل بتعديل مهمة القوات لجهة القدرة على الردع واستخدام القوة، ويطلب لبنان بقاء كل شيء على حاله، وتتولى فرنسا ترتيب الأمور بالممكن.
هذا العام تضمن قرار التمديد الرقم 2591 شيئاً جديداً إلى جانب مطلب دائم. الجديد، بمسعى فرنسي، هو طلب مجلس الأمن من “اليونيفيل” اتخاذ “تدابير موقتة وخاصة لدعم القوات المسلحة اللبنانية بمواد غير فتاكة، مثل الغذاء والوقود والأدوية والدعم اللوجستي لمدة ستة أشهر”. والمطلب الدائم هو دعوة الأطراف إلى “تعزيز جهودهم من أجل التنفيذ الكامل لجميع بنود القرار 1701 لعام 2006 من دون تأخير”.
لكن، الكل يعرف أن التنفيذ الكامل للقرار بالانتقال من “وقف الأعمال العدائية” إلى “وقف النار التام” ليس ممكناً، مهما كرر الخطاب الرسمي في لبنان والأمم المتحدة وإسرائيل وعواصم المنطقة والعالم الدعوة إلى “تنفيذه بكل مندرجاته”.
فلا الأمم المتحدة قادرة على تنفيذ القرار، وأحياناً على ضمان حرية الحركة للقوات الدولية وحمايتها من التصدي لها بأشكال عدة. ولا لبنان يستطيع التنفيذ لأن قرار الحرب والسلم لم يعد في يد السلطة الشرعية. لا “حزب الله” يريد التنفيذ الذي يحرمه من الوجود جنوب الليطاني ومن القيام بأي عمل تحت عنوان “المقاومة الإسلامية”. ولا إسرائيل تريد التنفيذ، لأنه يمنعها من أي اعتداء بري أو جوي على لبنان ومن خرق طيرانها للأجواء اللبنانية.
حتى القوات الدولية التي جاءت إلى الجنوب اللبناني عام 1978 بموجب القرار 425 ثم جرى “تعزيزها” بموجب القرار 1701، فإنها صورة أكثر مما هي فعل ومجرد “عدّاد” للخروقات ووسيط يبذل جهوده من أجل “ضبط النفس” ومصدر لتقديم خدمات للأهالي في الجنوب. والانطباع السائد بإصرار من “حزب الله” هو أن الهدوء على الحدود مفروض بقوة “الردع المتبادل”، لا بقوة “اليونيفيل”. وليس أمراً قليل الدلالات أن يدين قرار مجلس الأمن “أعمال الترهيب ضد أفراد اليونيفيل”.
في الماضي كان لبنان في أدبيات الجامعة العربية من “دول المساندة” لا من “دول المواجهة” و”دول الطوق”. وكان دوره في حسابات الدول الكبرى هو أن يلعب دور “الدولة – الحاجز” بين إسرائيل وسوريا. أما اليوم، فإنه “المحارب الوحيد” و”الجبهة الأمامية” في “جبهة الممانعة والمقاومة” التي هي الاسم المستعار للمشروع الإقليمي الإيراني.
ولا أحد يتوقع من السلطة التي قادت لبنان بعيون مفتوحة إلى “جهنم” مالية واقتصادية وسياسية وأمنية أن تفرض السيادة على الأرض اللبنانية. فالقرار السياسي غائب. والسلطة المتسلطة أوصلت الجيش الذي هو الأداة لفرض السيادة إلى حال يحتاج فيها إلى مساعدات في الغذاء والوقود والدواء من القوات الدولية التي مهمتها أصلاً مساعدته على فرض السيادة.
والمواعيد تتكرر. واللبنانيون صوت صارخ، لكن في البرية. كذلك صوت البابا فرنسيس الذي قال: “كفى استخداماً للبنان من أجل مصالح ومكاسب خارجية”.