هجرة جماعية لأطباء سوريا … اختصاصيو التخدير أصبحوا “عملة نادرة”

النشرة الدولية –

نبهت رئيسة أطباء التخدير داخل نقابة الأطباء السوريين، مؤخراً، إلى تراجع حاد لعدد المختصين في التخدير بالبلاد، وذلك من جراء هجرتهم الكبيرة إلى الخارج.

وسلط هذا التحذير الضوء على ظاهرة هجرة الأدمغة والكفاءات من سوريا، وفي مقدمها الأطباء على اختلاف اختصاصاتهم، بفعل تراكم الأزمات التي تعيشها البلاد على مدى سنوات الحرب الداخلية الطويلة.

وتكشف الاحصائيات والأرقام المفزعة، مدى الخطر الداهم الذي بات يهدد القطاع الطبي السوري، من جراء هجرة الأطباء للخارج، بمن فيهم المتخرجون حديثا، فعدد أطباء التخدير ممن هم دون سن 30 عاما هو 4 أطباء فقط في عموم سوريا، بينما لا يتجاوز عدد الأطباء الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و40 عاما 65 طبيبا فقط.

أما أطباء التخدير الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و50 عاماً، فيبلغ نحو 300 طبيب ما يعكس خطورة الاوضاع، والمتبقون باتوا في سن التقاعد، وفق تصريحات زبيدة شموط، رئيسة أطباء التخدير وتدبير الألم، في نقابة أطباء سوريا لوسائل إعلام محلية.

وأعلنت شموط دخول البلاد دائرة الخطر، مع غياب كلي لأي طبيب تخدير في محافظات سورية بأكملها، كالرقة وإدلب، وتواجد ضئيل جدا في محافظات أخرى كالقنيطرة التي تراجع عدد أطباء التخدير فيها إلى 5، وفي درعا 6، و9 أطباء في الحسكة، و11 في دير الزور، و15 في السويداء.

وحتى في العاصمة دمشق فإن عدد أطباء التخدير فيها لا يتجاوز 150 طبيبا، بينما العدد الإجمالي لهم في ريف دمشق يبلغ 13 طبيب تخدير فقط.

ويشير خبراء صحيون إلى أن هذه الأعداد الضئيلة، في بلد كبير بحجم سوريا، تمثل نقصا وفق المعايير العلمية، في الكوادر التخديرية التي تكاد تكون منعدمة، والتي هي من أهم مقومات أي نظام صحي وطبي متكامل وسليم.

وأعرب الخبراء عن استغرابهم لعدم مبادرة الجهات السورية المسؤولة لوضع خطط وحلول عاجلة لهذه المشكلة الخطيرة، التي تهدد حياة ملايين السوريين، لأن وجود طبيب التخدير شرط أساسي لاجراء العمليات الجراحية، وحتى الصغيرة منها، للمرضى ولمراقبتهم خلالها وبعدها.

وفي هذا السياق، يقول طبيب تخدير سوري طلب عدم ذكر اسمه، لموقع “سكاي نيوز عربية”: “لا حاجة للإشارة إلى أن سوريا باتت بيئة طاردة للكفاءات، فالوضع العام في البلد غير مستقر ورغم تراجع مستويات الحرب والعنف، لكن الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية رخوة ومضطربة، ومفاعيل الحرب ستمتد بصراحة لسنوات كي لا نقول عقودا”.

ويتابع “غالبية السوريين يطمحون للخروج والهروب من بؤس المعيشة في البلد، والأطباء هنا ليسوا استثناءا، فالطبيب السوري الذي يقيم مثلا في دول الخليج العربي أو في معظم الدول الأوروبية، يتقاضى أضعاف مضاعفة مما يتقاضاه في بلده، وبالتالي فإن من حق الطبيب السوري البحث عن فرص العمل في الخارج، والنجاة من واقع مأساوي، خاصة نحن المختصين في مجال التخدير”.

وتساءل الطبيب: “هل يعقل أن أتقاضى عن تخصص علمي حساس ودقيق كتخصصي راتبا شهريا لا يبلغ حتى 100 دولار أميركي، فهل ثمة إجحاف وتضييع للمستقبل أكثر من هذا، والكثير من الأطباء لم يهاجروا لحد الآن وأنا منهم، كون الهجرة من سوريا باتت مكلفة ماديا”.

من جهته، يقول دكتور محمد أكرم الشرع، مؤسس منصات فريق “سماعة حكيم” الطبية السورية، في حوار مع موقع “سكاي نيوز عربية”، “الأطباء على غرار كل شرائح المجتمع وفئاته يعيشون ظروفا قاهرة، بفعل الحرب التي فرضت نفسها علينا، وتداعياتها المدمرة، وبشكل خاص أطباء التخدير حيث طبيعة عملهم تجعلهم دوما تحت الضغط المتواصل جسديا ونفسيا، فهم دوما في غرف العمليات، ولا يمكنهم فتح عيادات خاصة أو العمل فيها كما غيرهم من الأطباء، الذين لا يتجاوز معدل رواتبهم 100 ألف ليرة، وهو مبلغ لا يتناسب اطلاقا مع ارتفاع تكاليف المعيشة الباهظة في البلاد، ما يجعلهم يضطرون للعمل الخاص إن في عيادات أو مستشفيات خاصة، الأمر الذي لا ينسحب على أطباء التخدير”.

وأوضح أن هذه العوامل تزيد من صعوبة وضع أطباء التخدير مقارنة بزملائهم في بقية الاختصاصات الطبية، “ورغم أن الحكومة أضافت زيادات في رواتبهم مع مكافأت شهرية، لكن ونظرا لطبيعة الاختصاص الصعبة وظروف العمل القاسية والحرجة، فإن التخدير يقع عادة في ذيل اهتمامات واختيارات طلاب كليات الطب الراغبين، في اختيار تخصص طبي ما”.

ويضيف “حسب معلوماتي الخاصة ثمة خطة حكومية، تسعى لفرض إكمال طلاب الطب البشري دراستهم في تخصص التخدير، لكنها لم تر النور بعد، ومع هذا التدني الخطير في أعداد أطباء التخدير داخل سوريا، فإن هذه الخطة قد تفعل وتدخل حيز التطبيق في محاولة لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة”.

ويتابع الشرع وهو أخصائي قلب في مستشفى تشرين العسكري في دمشق: “وضع الأطباء السوريين سيء جدا، فمثلا كل شيء تضاعف مئة ضعف في سوريا، سوى تسعيرة معاينة الطبيب، نظرا لأخلاقيات مهنة الطب، التي لا تتوافق ورفع سعر المعاينة، ولتعويل المجتمع على أن الطب مهنة إنسانية، وأن الطبيب يجب أن يراعي ظروف الناس، فالمعاينة قبل الأزمة كان سعرها 500 ليرة، عندما كان الدولار الأميركي الواحد يساوي 50 ليرة سورية، بينما هو الآن يساوي نحو 3200 ليرة تقريبا، وتتراوح أسعار معاينات الأطباء الآن بين 4 و 15 ألف، وحتى لو وصلت إلى 25 ألف ليرة، فهي لا تعني شيئا أمام الغلاء الحاصل والأوضاع المعيشية المعقدة”.

ويضيف الشرع “وهكذا يتم استغلال الأطباء من قبل المستشفيات الخاصة، التي تستغل حاجتهم لعمل إضافي، حيث يبلغ المعدل الوسطي لساعة عمل الطبيب في المستشفى الخاص نحو 600 ليرة سورية، وهو أقل من ربع دولار، ولنفترض أنك كطبيب تتقاضى حتى نحو ألفي ليرة بالساعة، فإن اجمالي يومية الطبيب في هذه الحال، في المستشفى الخاص ستبلغ نحو 30 ألف وهو أقل من 10 دولارات، وهذا استغلال بشع لليد العاملة الطبية السورية ما بعده استغلال”.

ويبلغ معدل رواتب الأطباء العامين في سوريا 74 ألف ليرة سورية، وهو ما يعادل تقريبا 25 دولار أميركي، أما الاخصائيون منهم، فلا يتجاوز 100 ألف، أي ما يبلغ قرابة 30 دولارا أميركيا في الشهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button