إيران والنظام السوري و”حزب الله”: الفدية المطلوبة لإغاثة رهائن لبنان
بقلم: فارس خشّان

النشرة الدولية –

منذ سنوات طويلة تحول اللبنانيون إلى رهائن، لكنهم كانوا، إلى حد ما، رهائن مرفهين.

وفي العموم، لا يقيم المرفهون أي وزن لوضعيتهم الحقيقية، خوفا من أن”تعكر” الحقيقة المرة أمزجتهم المرحة.

وليس في هذا أي مس بالذكاء اللبناني، فهذه هي حال الإنسان، في كل زمان وفي كل مكان، فهو فطر على أن يفعل كل ما بإمكانه حتى لا يفكر، أبدا، بالحقيقة الوحيدة المثبتة: الموت.

ولكن، كما كان من نعتوا بأنهم “نذير شؤم” يحذرون، استيقظ اللبنانيون، ذات صباح خريفي منعش، على كارثة مأساوية تتكاثر بوتيرة أسرع من الخلايا السرطانية في المعثكلة (البنكرياس) ذلك أن الخاطف، عندما لم يحصل على الفدية التي طلبها، عمد، بدل الإفراج عن الرهائن، وهم من أهله وأصدقائه ومعارفه وعرقه ووطنه ولحمه ودمه، إلى تشديد الطوق عليهم، حتى باتوا محرومين من كل شيء.

وفي وقت جعل الخاطف لكل رهينة “في جسده وفي نفسه شغلا” وفق قول الحجاج بن يوسف الشهير، راح، وبكل أريحية، يحمل مسؤولية ما آلت إليه وضعية هؤلاء الرهائن إلى كل من رفض أن يشارك في دفع الفدية التي يطلبها، متحدثا عن “حصار” متخيل، على عادة ما يفعل المصابون بمتلازمة “ميتومانيا”.

وفي المقابل، سعى خصوم الخاطف، طويلا، إلى إقناع الرهائن بأن يثوروا ويحرروا أنفسهم، لكن المحاولات التي جرت تحقيقا لذلك فشلت، فالخاطف استعمل كل ما يملك من قدرات وإمكانات وأسلحة ووسائل، لإصابة “المتمردين” بأكبر قدر ممكن من الخسائر المادية والمعنوية.

ولأن الخاطف انتصر على من انتفض من الرهائن، جهد في تحريض هؤلاء ضد المطلوب منهم دفع الفدية، فنسب إليهم تهم “التخلي عنهم” و”الغدر بهم” و”الاستخفاف بمصيرهم”، وبدأ، في محاولات نجح بعضها كليا أو نسبيا، تجنيد مجموعات من الرهائن ليساعدوه في إدامة عملية الخطف العظيمة.

والتفت الخاطف إلى المرجعية التي تشغله راجيا منها أن تظهره، في ضوء ما استنتجه من الانتفاضة المقموعة، عطوفا على الرهائن، ومهتما بهم، ومعنيا بمصيرهم، فقررت تزويده بما أمكن من قدرات، لتحقيق هذه الغاية.

وحين خشي المطلوب منهم دفع الفدية أن يصبح الرهائن جنودا في جيش الخاطف ليتجنبوا موتا حتميا، وقف الخاطف يفرض شروطه التي توفر له جزءا من الفدية التي ينشدها.

ماكرون ورئيسي

إن اللبنانيين يعيشون، في الوقت الراهن، الحقبة الأخيرة من قصة “الخاطف والرهائن” هذه.

وكلام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الموجه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في اتصالهما الأخير، في الخامس من سبتمبر الحالي، وفق ما نشرته وكالة “ايرنا” الإيرانية الرسمية، بطبعتها الفرنسية، أي تلك التي يسهل على المعنيين الفرنسيين الوصول إليها والتدقيق فيها، لا يخرج عن إطار فرض شروط لتشكيل “حكومة لبنانية قوية”، فعلى فرنسا أن تقبل بشراكة إيران و”حزب الله”، لإنجاز ذلك.

وهذا يعني أن إيران تطلب من فرنسا أن تمارس نفوذها من أجل فرض هيمنة “حزب الله”، رسميا على القرار اللبناني، وتاليا وضع لبنان، رسميا، في “محور الممانعة”.

وبغض النظر عن موقف ماكرون من هذا الطرح، في ظل اكتشافه هشاشة الأطراف اللبنانيين وانهياراتهم، ماديا ونفسيا، أمام “حزب الله”، فإن موافقته على مطلب رئيسي الموثق، لا يجدي نفعا، بالنتيجة، لأن تشكيل حكومة في لبنان ليس هدفا قائما بذاته، بل وسيلة ضرورية لمساعدة لبنان في إنقاذ نفسه من المأساة التي جرى رميه فيها.

وهذا يقتضي، لتحقق الحكومة مبتغاها أن تكون جاذبة للمساعدات والمعونات والقروض والاستثمارات الدولية.

وعليه، فإن الإشكالية، ولو قبل ماكرون ورهائن لبنان، بطلب رئيسي، سوف تتمثل في قدرة حكومة تتشكل بإرادة “حزب الله” وبتطلعات إيران، على جذب ما يحتاج إليه لبنان.

وهنا، بدل أن يتحقق المطلب الدولي التمهيدي لتقديم ما يلزم من مساعدات، أي النأي بلبنان عن صراعات المنطقة ومحاورها، يتم فعل العكس، بحيث يتم تكريس انحراف لبنان ورميه في “محور الممانعة”.

بشار الأسد و”جماعته”

وليس بعيدا من حديث رئيسي وماكرون، فإن موافقة الولايات المتحدة الأميركية، على استثناء لبنان من “قانون قيصر”، لجهة السماح لمصر والأردن، بعبور سوريا، لتزويد لبنان بالغاز المصري والكهرباء الأردنية، تحول إلى مناسبة يريد نظام بشار الأسد، وخلفه إيران، استغلالها لتعويم نفسه، من دون أن يقدم، في المقابل، أي تعديل في سلوكه الإجرامي المدان سوريا وعربيا ودوليا.

وقد استغل الأسد هذا “الاستثناء الأميركي” ليثبت أنه لا يمكن أن يتغير.

تغييب العلم اللبناني عن اجتماع الوفد الوزاري اللبناني بالوفد الوزاري السوري، في دمشق، لا يمكن فهمه خارج هذا الإطار “الإذلالي”، على الرغم من أن الشخصيات الوزارية التي تشكل منها الوفد اللبناني هي من مجموعات لم تقف، يوما، إلا مع جرائم الأسد ضد شعبه.

وفي الأساس، فإن حكومة حسان دياب التي تصرف الأعمال منذ نحو 13 شهرا، هي حكومة شكّلها، من لون سياسي صاف، حليفا الأسد: “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.

ولهذا، ربما، لم يهتم الوفد الوزاري اللبناني بتغييب علم بلاده عن الاجتماع!

ولا يخرج استدعاء وفد درزي كبير برئاسة طلال أرسلان – وهو “أقلّوي” جدا في طائفته التي تبايع بأكثريتها الساحقة وليد جنبلاط – إلى دمشق عن هذا السياق الإذلالي، بحيث راح الأسد يخبر هؤلاء المبتهجين بأنفسهىم في حضوره، عن “حقيقة الشعب اللبناني”.

ويعرف الأسد أن هذه المسرحيات التي تشبه مسرحية إعادة انتخابه، لا يمكن أن تعومه، بل هو يهدف، من خلفها، إلى إفهام القاصي والداني أنه هو أيضا في “محور الخطف” وتاليا فهو أيضا يجب أن ينال قسما وافيا من الفدية المطلوبة، بعدما يئس من أن يتقاضى الفدية التي طلبها لقاء السماح بإغاثة رهائنه السوريين، وقد أمعن في قتلهم وسحلهم وتهجيرهم وتيئيسهم وتجويعهم وإذلالهم.

اقتراح جنبلاط والحكومة

إن هذا المشهد اللبناني، سواء شوهد من باريس أو من واشنطن أو من بيروت أو من طهران أو من دمشق أو من القاهرة أو من الرياض أو من أي نقطة في هذا الكون، يقود إلى التأمل مليا بموقف أطلقه وليد جنبلاط، في الثامن من سبتمبر الحالي، من خلال منشور على “تويتر”:

“أفضل شيء أن تحكموا أنتم، بدل هذه المسرحية اليومية من الاستشارات وهذا الفيض من التحليلات المتعبة في وسائل الإعلام والصحف. الطالبان شكلوا حكومة فكونوا مثلهم وتحملوا مسؤولية أمن المواطن ومعيشته وطبابته. أنتم الذين تدعون معرفة كل شيء وفق المنطق الذي يرفض أي تعددية”.

موقف جنبلاط هذا الذي لم يلق أي اهتمام على الرغم من أهميته، لا يعني سوى مسألة واحدة: أيها الرفاق في جماعة الرهائن، اتركوا الخاطف يدير وحده هذا المعتقل الكبير، فلا نكون أداة طيعة في يده، سواء رضي المجتمع الدولي أو لم يرض، عقد صفقة سرية معه أو فر من أمامه.

إن التدقيق في تركيبة الحكومة الجديدة التي جرى تسريب أسماء وزرائها قبل إصدارها، تبين أنها “حكومة محاصصة” مشكلة من “اختصاصيين” مرضي عنهم من الأحزاب والتيارات السياسية المعروف نتاجها الوطني السيء، وهي “حكومة الخضوع “، بحيث يحصل “حزب الله” وحليفه رئيس الجمهورية على ثلثي الحكومة، مما يعني أن الكلمة الحاسمة في لبنان، سوف تكون لكل ما “يتوافق” عليه “حزب الله” وعون، فيما الآخرون لن يكونوا أكثر من “شهود” أو “مقدمي نصائح”.

لذلك، فإن جنبلاط محق في دعوته، ولو أن كلامه مجرد “صرخة منطق” في “وادي الضياع”، لأنه إذا جرى تخييرك بين القتل والانتحار والفرار، فمن العار أن تنتحر!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى