الأكاديمية والشخصية المثيرة للجدل
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

ورد على الصفحة الأولى من صحيفة محلية يوم الخميس الماضي خبر، ربما من نوعية «جس النبض»، تعلق بنية إنشاء أكاديمية خاصة لتأهيل أبناء الأسرة الحاكمة لتولي المناصب القيادية في الدولة والقطاع الخاص، أو لمجرد رفع قدراتهم الشخصية.

كما ورد فيه أن تأسيس الأكاديمية سيكون ضمن «مواصفات عالمية»(!)، وسيعتمد على التمويل الذاتي، بحيث لا يتكلف المال العام شيئاً. والأكثر إثارة في الخبر سيرة الشخصية التي ستتولى إدارة الأكاديمية، وهذا هو الجزء الأهم والأخطر في الخبر، حيث تبيّن من اسمها، أن لغطاً واسعاً دار حول سلوكها وتغريداتها وسيرتها المتواضعة، وانتمائها الصريح، من واقع نصوص مكتوبة، إلى حركة الإخوان المسلمين، كحركة دينية أصولية، فشلت على مدى مئة عام في خلق زعيم أو قيادي واحد بارز في طول وعرض الدول التي أتيحت لها فرصة التحكم فيها!

القيادة هي فن إدارة الآخرين، مع الإلمام الواسع بكيفية الاستعانة بهم والاستفادة من آرائهم، وتحقيق أهداف الدولة أو المؤسسة، وكل هذه مواهب قبل أن تكون قواعد علمية جامدة يمكن تعلمها، فزعماء العالم كافة الذين حققوا معجزات سياسية واقتصادية ووحدوا دولهم وخرجوا من مصائب كبيرة في أوقات قياسية، محلياً وإقليمياً أو عالمياً، لم يكن أي منهم من خريجي «معاهد تعليم القيادة»، ولم يكن مدرسوهم حتماً من المنتمين لحركة «الإخوان المسلمين». فالقيادة خاصية تنمو مع الشخص من خلال القدوة التي يحتك بها والبيئة الاجتماعية السليمة، والإلمام بالأمور السياسية والقانونية، ولم نكن في الماضي، ولن نكون في المستقبل بحاجة إلى مثل هذه الأكاديمية بقدر حاجتنا إلى نظام تعليمي عصري بعيد عن التأثيرات السلبية للأحزاب الدينية السياسية، فمثل هذا النظام سيتكفل، بصورة تلقائية، برفد المجتمع بعشرات أو المئات من القيادات وفي مختلف الميادين الذين يمكن الاستعانة بهم، بعد اختيار أفضلهم، لتولي مختلف المناصب والوظائف المهمة، وهذا ما يحدث مع الخريجين المميزين في الجامعات العالمية الذين تتخاطفهم الشركات والأحزاب الديموقراطية في دولهم. فنظامنا التعليمي الذي تحكمت بالكثير من مفاصله جماعة الإخوان المسلمين، وما نراه من مخرجاته، خير دليل على سوء تاريخهم، فكيف نأتي ونقترح تأسيس أكاديمية للقادة ونسلم إدارتها لهم؟!

أما مقولة إن المعهد سيمول ذاتياً، فقد ذكرتني بالقرار الذي جر علينا الخراب وتسبب، من دون مبالغة، في تحمل المال العام لمليارات الدنانير، عندما قام محمد البصيري، وزير النفط السابق، وممثل الاخوان في الوزارة، برفع رواتب القطاع النفطي لمستويات غير مسبوقة، وبرر تصرفه المخرب حينها بأن الزيادات لن تكلف المال العام شيئاً، بل هي من أرصدة مؤسسة البترول! ونتج عن قراره الارتجالي وغير المحسوب، العجز الحالي الخطير في ميزان مدفوعات الدولة!

أؤمن بصدق بأن الفكرة فاشلة من أساسها. فاختلاطنا اليومي، وتعليمنا وأواصر المحبة والمصاهرة بين الجميع، على مدى قرون، كانت كلها الأساس الذي بنيت عليه مواد دستور الدولة، الذي يحكم علاقتنا برضا أطرافه كافة، وخلق كيانات خاصة بتعليم هذا الطرف وترك تلك الجهة سيؤثران سلباً في هذه العلاقة الرائعة، التي لا مثيل لها، إقليمياً على الأقل.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى