الاصول والمنابت… شويكه سيدة الحكايات – الجزء الثالث

النشرة الدولية –

البيوت في حارات شويكه وأزقتها وطرقاتها، كانت مكتظة بالأفراد والعائلات وبالحمايل. يختلف أهل شويكه والمؤرخون والمهتمون بالأنساب،  حول أصول تلك الحمايل والعائلات.  ولكن، ومهما قيل في هذا الموضوع او قد يقال، فإن من المؤكد أن بعض الاصول فيهم،  تعود إلى أقدم الحقب التاريخية.

ومن المؤكد أيضا، انهم خليط من اصول ومنابت شتى، تعود اصول بعضهم إلى القبائل العربية، التي جاءت مع الفتوحات الاسلامية. ويظن أن آخرين ينتمون إلى المصريين والأتراك وغيرهم، ممن قدموا لفلسطين أو حكموها، أو الذين جاؤوا ضمن حملة إبراهيم باشا، لضم بلاد الشام إلى مصر إبان الحكم العثماني. وبعض آخر جاء من العراق او سوريا او من مصر برفقة  حملة صلاح الدين الأيوبي لتحرير بيت المقدس. تماما كما حصل مع أهلي آل أيوب.

وتلك حكاية تستحق أن تروى هنا للإفادة. إحتل الفرنجة القدس عام 1099، تعالت الاصوات لتحريرها، كانت البداية من عماد الدين زنكي، وأكمل مشوار التحرير صلاح الدين الايوبي، الذي تجلَّت مقدرته الحربية،  في ايمانه بأن الطريق لاسترداد  بيت المقدس من محتليها، عنوة وبحد السيف، لا بد لها أن تمر عبر القاهرة ودمشق. فأسس خطته العسكرية على جبهة موحدة تضمُّ فيالق عراقية وسورية ومصرية، تنازل الفرنجة في عقر دورهم. فهكذا فعل في معركة حطِّين الحاسمة ومدن السَّاحل الشامي ، قبل أن يطهربيت المقدس في 29/9/1187.

آجداد آل أيوب في شويكه، هم من قرية كفرأيوب في محافظة الشرقية في مصر، كانوا ممن إنخرطوا في الفيلق المصري الذي أسسه صلاح الدين في مصر، وقاده الى فلسطين.

إستقروا بداية في منطقتي مجدل الصادق والفالوجه في جنوب فلسطين. ومن ثم انتقل بعضهم  للإقامة في قرية شويكه، وبعضهم في حيفا. وبعد نكبة 1948، عاد من كان منهم مقيما في حيفا الى شويكه، وأقاموا في الحارة الغربية منها. وبالطبع، كان لأجدادنا شرف مشاركة صلاح الدين في انتصار حطين وفي استرداد بيت المقدس من الفرنجة.

المشهد الاجتماعي

كانت بيوت شويكه متجاورة، وأحياؤها دافئة. الحياة فيها بسيطة رَضِيَّةً، ليس لسهولة العيش أو لرغده، بل لوجود الترابط والتكافل الاجتماعي الطبيعي. كان التعاون والتعاطف بين الناس طبعيا، يساعدون بعضهم البعض. يتشاركون ويتضامنون ويتساندون في الأفراح والأتراح. ولوجود المحبة والصدق والمعاملة الحسنة، كان كل ما نعلمه، هو أننا أهل وأقارب وجيران مسكونين بحب لا حدود له، لكل ذي صلة رحم أو قربى دمٍ او نسب أو جيرة.

كل الناس بتشتغل، بلا بطالة. عاملنا وخبازنا والكندرجي والحداد والنجار والبناء واللحام، كان منا فينا. كان الحكي رزين بلا تفاهة ولا مسخرة. وبشكل عام، لم نكن نعرف الأمراض إلا السارية منها، التي كانت تصيب جل أعضاء المجتمع، كالسل والملاريا والكوليرا والحصبه وابو خانوق وشلل الاطفال، قبل القضاء عليها لاحقا.

كانت ألبستنا مخيطة من اقمشة، من قبل خياطين وخياطات، على ماكينات سنجر يدوية او تطريز يدوي. وفي العادة كانت احذيتنا اكبر بنمرة كي نلبسها عامين متتالين، بعد تركيب حذوة معدنية في كعبها لتعمر اطول، ويتم ترميمها اكثر من مرة. كان للمداس عدة أسماء وفق شكله ووظيفته، منها: مَشّاية، كُندرة، جزمة، بُسطار، صندل، قبقاب، صرماية، بوط، بَبوج، شحاطه، شبشب زنّوبة.

وكانت المضافات في شويكه،محدودة العدد. أذكر منها مضافة دار الخواجا ومضافة الحج محمود الخليل، ومضافة الراجح ومضافة عبد الرحيم الجعرون. كان للبيوت مصاطب يسموها قُصَّةْ أمام بيوتهم، يتربعون عليها كل يوم، وكل ما مرق واحد كان يقال له: جيرة الله ميّل، اشرب لك كاسة شاي أو فنجان قهوه. وللضيف كنا نقول حياك الله، قبل ما صرنا نقول له اتصل قبل ما تيجي. وكنا نقول الجار قبل الدار، قبل ما نصير نقول خليك بحالك وانا بحالي. وكنا نرى في الاقارب عزوة، نجتمع بهم ونسأل عن الغايب منهم، قبل أن نتهمهم بأنهم عقارب.

لم نكن نعلم أننا سنكبر، وأن مفاهيم القرابة والأهل والجيرة والحب  والحرص، ستنقلب رأساً على عقب، وأن ما غرسه الآباء والأجداد سيتخلخل ويتهاوى أمام الأثرة والانانية والفردية.

ما الذي حصل ولم حصل؟!!!!    يتبع…….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى