الأخ العقيد القذافي وأنا في 11 سبتمبر
بقلم: عبد الرحمن شلقم
النشرة الدولية –
يوم 11 سبتمبر (أيلول) سنة 2001 كان يوماً له حواسُّه التي اجتاحت الكون ولامست كل البشر، وتواصلت بحرارة مرعبة مع سكان الأرض بلغة واحدة على الهواء عبر كل القنوات التلفزيونية في العالم.
وقت الظهيرة في طرابلس بليبيا غادرت مكتبي بوزارة الخارجية، وكنت أتأهب للمغادرة إلى روما حيث سبقتني إليها زوجتي وابني ينتظراني كي نسافر معاً إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وصلتُ إلى البيت وفوجئت بكل الهواتف ترن من دون توقف. هاتف القيادة الأحمر والهاتف الداخلي مع وزارة الخارجية والخط الخارجي أيضاً. رددتُ أولاً على هاتف القيادة الأحمر وكان على الخط الأخ العقيد معمر القذافي. سألني: «ماذا حدث في أميركا؟»، أجبته: «لا علم لي فقد دخلت إلى البيت منذ دقائق قليلة وأستعد للسفر إلى روما، وهذه أول مكالمة أتسلمها بعد دخولي إلى البيت». قال: «أميركا ركب فيها وعد ربي وطائرات مدنية مخطوفة داهمت مندفعة برجي التجارة في نيويورك، تابِع الأخبار وابقَ على اتصال بي». توجهت إلى مكتبي بوزارة الخارجية وبعد وصولي بقليل حضر كل من موسى كوسا، رئيس جهاز الأمن الخارجي، ثم التحق بنا بعد ذلك عمار إلطيَّف الذي تقلد مناصب عدة منها نائب رئيس الوزراء ووزير السياحة ورئيس جهاز الأمن الداخلي، وهو مثقف ومتابع للقضايا السياسية العربية والدولية. جلسنا معاً أمام التلفزيون نتابع على الهواء ما يجري في نيويورك. بدأنا في قراءة ما حدث ومَن يقف وراءه. حلّقنا بعيداً وقريباً واستعرضنا خريطة الاحتمالات ورد الفعل الأميركي المتوقع على هذا العمل الرهيب غير المسبوق في التاريخ. اتصل بي الأخ العقيد وطلب مني كتابة مشروع بيان عام يدين ما حدث ويعبّر عن التعازي للشعب الأميركي. ناقشنا نحن الثلاثة صيغة البيان ثم اتصلت هاتفياً بالأخ العقيد كي أقرأ عليه مسودة البيان الذي كتبته فطلب منّي الحضور إلى مقر القيادة بباب العزيزية. عند البوابة بادرني آمر الحرسة بالقول: «بسرعة يا أستاذ، القائد في انتظارك». توجهت بسرعة إلى الخيمة حيث وجدت الأخ العقيد جالساً بمفرده وأمامه قدح الشاي. شدّني ما رأيت أمام بيته الذي كانت الولايات المتحدة قد هاجمته بغارة جوية سنة 1986، ودمرت أجزاء كبيرة منه. كانت فرقة من غريان تعزف الموسيقى وترقص، لم أسأله عن ذلك ومباشرةً بعد جلوسي طلب منّي قراءة مشروع البيان، وعلّق بالقول: «معقول جداً»، ولكنه طلب إضافة كلمة «المروّع» أمام كلمة العمل الإرهابي، وكذلك جملة «استعداد ليبيا لتقديم كمية من الدم لإنقاذ الجرحى». ابتسمتُ عندما قال كلمة «المروع»، فعلّق العقيد: «نعم أقصد ما فهمته أنت». تحدثنا عن رد الفعل الأميركي المتوقع على ما حدث لأنه عمل في غاية العنف ضرب رمزاً للعظمة المعمارية والتجارية لأميركا، وفي قلب المدينة التي تمثل عاصمة الأمم المتحدة. قال إن الشغل الشاغل للإدارة الأميركية أولاً سيكون معرفة الفاعل، ومن دون شك سيكون الرد الأميركي في غاية العنف وبشكل مباشر. أعدتُ له ما كان بيننا من حديث قبل شهر واحد تقريباً ومعنا سعد مجبر، مساعدي للشؤون السياسية، عندما كنا نناقش الرسائل غير المباشرة مع الولايات المتحدة بخصوص حادث الطائرة الأميركية التي سقطت فوق بلدة لوكربي في اسكوتلندا. في ذلك اللقاء قال الأخ العقيد: «قولوا للأميركيين، إذا قام طيارٌ ليبي مجنون بمهاجمة برج في أميركا، هل نتحمل نحن مسؤولية ذلك؟»، وطلب منّا أن نعلن اعترافنا بحكومة «طالبان» في أفغانستان. سعد مجبر اعترض بانفعال على ما قاله الأخ العقيد معمر القذافي يومئذ وقال: «ماذا نستفيد من هذا الكلام ومن الاعتراف بـ(طالبان) ونحن قد شرعنا في اتصالات غير مباشرة مع الجانب الأميركي؟» وبالفعل أخذنا بملاحظة سعد مجبر الصائبة ولم يصدر من طرفنا شيء لتنفيذ ما طلبه الأخ العقيد. في ختام الحديث معه سألته: «هل نكتفي بإعلان البيان من وزارة الخارجية في طرابلس أم نرسله إلى بعثتنا في نيويورك لترجمته وإحالته إلى وزارة الخارجية الأميركية؟» فقال: «من الأفضل أن يرسَل مباشرةً إلى أميركا».
قبل أن أغادر المكان طلب منّي متابعة الحدث وردود الفعل الأميركية، وما يصدر عن واشنطن من أخبار عمّن يقف وراء هذا العمل. عدتُ إلى مكتبي بوزارة الخارجية حيث ينتظرني كل من موسى كوسا وعمار اللطيف، وواصلنا الحديث والتحليل لما حدث وعن الطرف المحتمل الذي يقف وراءه. بقي الأخ العقيد على اتصال دائم معي هاتفياً طوال مساء ذلك اليوم، وكان محور اهتمامه ما يرشح من أخبار عن الفاعل ومن يقف وراء ما حدث في نيويورك وغيرها من المدن الأميركية. لا شك أنَّ حادث لوكربي الذي وُجِّه الاتهام فيه إلى ليبيا وما ترتب على ذلك من عقوبات على ليبيا، ما زال طازجاً في عقل الأخ العقيد رغم إيمانه القاطع ببراءة ليبيا التامة من ذلك الحادث الذي شهدته بلدة لوكربي الاسكوتلندية. لم يطل انتظارنا لمعرفة الفاعل للهجوم الإرهابي على البرجين في نيويورك، فقد أعلن أسامة بن لادن عن تكليفه شخصياً مجموعة من أتباعه بالهجوم الرهيب. تقرر تأجيل عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب ذلك الحادث، وعادت زوجتي وابني من روما إلى طرابلس، وكانت بداية حديثنا بعد وصولهما مباشرةً عن زيارتهما في شهر سبتمبر الماضي إلى البرجين اللذين جرى تدميرهما في سبتمبر هذا ومات فيها آلاف العاملين ومعهم بعض الزائرين.
دعوتُ كلاً من عبد العاطي العبيدي ومحمد بلقاسم الزوي وعبد الله السنوسي لاجتماع لمناقشة ما حدث في نيويورك ورد الفعل الأميركي المتوقع بعد إعلان أسامة بن لادن عن مسؤوليته عن الحدث. اتفقنا على أنَّ أفغانستان ستكون هي الهدف الأميركي لكنها ستكون لقمة صغيرة لن تشبع شهية الثأر الأميركي من تلك المذبحة الرهيبة التي قُتل فيها آلاف الأبرياء، والسؤال كان هو: مَن سيكون الوجبة الكبيرة الدسمة التي ستطفئ نار الغضب وتشبع جوع الانتقام الأميركي وهوسه؟