هل أُسدلت الستارة على الحريرية السياسية؟
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
نداء الوطن – غادة حلاوي –
من روما الى باريس انتقل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري قبل ان يستقر في ابو ظبي. رب قائل ان الحريري بات وهو خارج السلطة في وضع أفضل، سيتفرغ للتحضير لاستحقاق الانتخابات النيابية بهدوء وتروٍّ ويعمل على لملمة جمهوره وشد العصب على الساحة السنية والالتفات الى وضع تياره. العبارات ذاتها تتكرر في كل مرة يخرج فيها الحريري من السلطة ويطيل اقامته خارج لبنان، ثم يعود على أمل ان يبدأ بإعادة ترتيب بيته الداخلي وهي عملية كانت تختصر بعد طول عناء، بتعيينات لا يلعب اصحابها اي دور يذكر فيما يبقى الحريري الرقم واحد والوحيد في التيار، والبقية مجرد جوقة تحضر متى كان ذلك ضرورياً.
كل من واكب الساعات الاخيرة قبل ولادة االحكومة لاحظ كيف ان التشكيلة التي خرجت لم تكن لترضي الحريري رغم حصته الوازنة فيها، لكن في المجمل نال خصمه ما اراده من نفوذ فيما صار هو خارج السلطة ولن يكون في موقع القرار. حين التقاه آخر مرة نصحه صديق بعدم الاعتذار والاصرار على تشكيل الحكومة. فكان جواب الحريري سأعتذر لأتفرغ للانتخابات النيابية، فأعاد الصديق سؤاله وهل انت متأكد ان بمقدروك خوض هذه الانتخابات فيما انت خارج السلطة؟ منذ شكلت الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي ردد كثيرون مقولة كان يمكن ان يكون الحريري رئيساً ويستمر في السلطة لو اتقن ادارة اللعبة، غير ان الرئيس الشاب الذي فاضت همومه الشخصية على همومه السياسية ولم تسعفه ظروفه، ارتأى ان يبتعد في لحظة مفصلية ويسلم الشعلة على مضض لأحد اعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين، الذي يستظله في معركته في مواجهة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، وهو يدرك انه لن يكون ذا فعالية متى قرر هو ذلك.
مجدداً أخطأ الحريري في حساباته وانسحب ونجح خصومه في تهميش الحريرية السياسية وليس ازاحتها او القضاء عليها. فالتاريخ يتحدث عن سِيَر زعماء او رؤساء احزاب كان اغلب الظن ان مسيرتهم انتهت الى اللاعودة لكنهم عادوا الى السلطة وعلى رأسها وصار لهم تمثيلهم النيابي والوزاري. يشكل لبنان حالة خاصة هنا، فلا زعيم او رئيس او وزير تنتهي مهمته ويغادر حلبة السياسة الا في ما ندر، فكيف اذا كان هذا اللاعب رئيس اكبر كتلة نيابية وله حيثيته على ساحته السنية. واقع الحريري وحيثيته الداخلية لم يتغيرا وان اهتزا كما اهتزت ساحات غيره من رؤساء الاحزاب، لكن من ساهم في كف يده وتطويقه كان ذاك القرار السياسي الذي اتخذته السعودية بفك ارتباطها معه ورفع اليد عنه نهائياً، وإقفال الباب في وجه الحريرية السياسية الى حين، ولم تعِد فتحه امام آخرين بدليل ان اي موقف داعم لحكومة حسان دياب لم يصدر على امتداد عامين، ويبدو ان التجربة ستكون ذاتها مع حكومة ميقاتي بحيث لم يصدر اي موقف سعودي تعليقاً على تشكيل الحكومة اللبنانية حتى الساعة.
أخرج الحريري نفسه من السلطة مضطراً بعد ان ضاقت به السبل محاولاً اعادة العلاقة الى سابق عهدها مع المملكة. يدرك في قرارة نفسه ان ميقاتي رغم كونه رئيساً للحكومة لكنه لن يشكل خطراً مستقبلياً على زعامته السنية، فطموح الرجل ينحسر في رئاسة الحكومة لا في زعامة لن تفيه غرضه، وقد سعى لما وصل اليه وعقد تفاهمات سرية وتسويات أودت بالحريري وازاحته موقتاً، لكن من الصعب ان تنهيه ذلك ان المعروف في السياسة لا عداوة دائمة ولا صداقة مستمرة.
خرج الحريري من السلطة، لكنه خروج موقت بالتأكيد، فالرجل وان كثرت اخطاؤه في السياسة فالبديل عنه ليس جاهزاً بعد على الساحة السنية رغم السعي الدؤوب لذلك من قبل المملكة، ولاعتبارات عديدة ومختلفة. أساء الحريري الى نفسه وسلطته قبل ان يسيء الى الآخرين والرجل سيكون بحاجة حتماً الى مراجعة حساباته السياسية من اساسها، والا هل يعقل ان ابن رفيق الحريري والرئيس السابق للحكومة يخرج من جنة السلطة بصفر تحالفات ولا تربطه علاقة بأي من حلفاء والده السابقين. ضيّع الحريري فرصاً على نفسه وباعتراف الحريصين عليه فمن المبكر الحكم على وضعه الانتخابي منذ اليوم، ذلك ان الانتخابات النيابية سلاحها المال وشد العصب، وفيما يسعى الى تأمين العنصر الاول، فالثاني ليس بالامر الصعب طالما ان الانتخابات ستجرى في عهد عون، لكن ماذا عن التحالفات فهذه قد تكون ام العقد؟ أياً كانت الاسباب فالنتيجة ان الحريري تنحّى جانباً والحريرية السياسية صارت خارج اللعبة ولو موقتاً، ولكن سيكتب التاريخ ان صانعها هو من اقفل بابها انتقاماً او تصفية للحسابات لا فرق.ِ