الانتخابات المغربيّة ورسالة الأقاليم الصحراويّة
بقلم: خيرالله خيرالله
النشرة الدولية –
ثمة إشارات لم تلق ما يكفي من الاهتمام، يمكن التقاطها من الانتخابات المغربيّة التي أسفرت عن هزيمة ساحقة ماحقة لحزب “العدالة والتنميّة” الذي يمثّل الإسلام السياسي. من المفيد التوضيح أنّ هناك من يرى فوارق، وإن غير كبيرة، بين “العدالة والتنمية” من جهة، و”الإخوان المسلمين” من جهة أخرى.
تبدو إحدى الإشارات التي لم يتوقف عندها سوى قليلين، أن نسبة الإقبال على التصويت في الأقاليم الصحراوية الجنوبيّة فاقت المعدل العام على مستوى المملكة. تجاوزت نسبة المشاركة في هذه الأقاليم الستين في المئة، فيما كانت، استناداً الى الأرقام الرسميّة، 50,3 في المئة على مستوى المغرب كلّه.
جرت العادة أن يقبل أهل تلك المناطق أكثر من غيرهم على صناديق الاقتراع، وذلك لأسباب مرتبطة بالتنافس بين العشائر والعائلات. لكنّ الجديد يبقى هذه المرّة في أنّ هذا الإقبال في تلك المناطق بالذات على صناديق الاقتراع يعكس وجود رغبة في توجيه رسالة تعبّر عن عمق الانتماء الوطني الى المغرب لدى سكان الصحراء وأقاليمها، في وقت حصل تطوران مهمّان، تمثّل التطور الأوّل في اعتراف الولايات المتحدة بمغربيّة الصحراء وفتح قنصليّة لها فيها. أمّا التطور الثاني، فكان الزيادة الكبيرة في عدد القنصليات العربيّة والأفريقية في الصحراء المغربيّة التي عاصمتها العيون.
ماذا تعني هذه الرسالة؟ تعني بكلّ بساطة كم أن الصحراء مغربيّة ولم تكن يوماً إلّا مغربيّة، وأن المواطنين في الصحراء وجدوا في الانتخابات مناسبة لتأكيد تطلعاتهم المشروعة. أكدوا وجود هذه التطلعات في هذا الوقت بالذات، أي في الوقت الذي لجأ فيه النظام الجزائري الى زيادة حملاته على المغرب بسبب الصحراء، وصولاً الى قطع العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدين لأسباب واهية مضحكة مبكية.
تشير التطلعات المشروعة لأهل الصحراء إلى رغبة في تكريس الولاء للمغرب، بصفة كونهم جزءاً لا يتجزّأ من شعبه. يؤكّد ذلك غياب الحاجة الى أيّ استفتاء آخر من أيّ نوع لتحديد الهويّة الوطنيّة لأهل الصحراء الذين يعيشون بكرامة في وطنهم، في ظلّ اللامركزيّة الإداريّة الموسعّة التي تعني حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربيّة. كانت الانتخابات المغربيّة الأخيرة التي شملت تجديد أعضاء مجلس النوّاب والهيئات المحليّة بمثابة استفتاء حقيقي، يكشف ما يريده حقاً أهل الأقاليم الصحراويّة في المغرب.
تعني الإشارة المستوحاة من الانتخابات المغربيّة ونتائجها أيضاً أنّ قضيّة الصحراء مفتعلة من ألفها الى يائها، ولا علاقة لها بـ”حق تقرير مصير الشعوب” الذي يتاجر به النظام الجزائري، والذي لا هدف منه سوى شنّ حرب استنزاف على المغرب عبر أداة اسمها “جبهة بوليساريو”. تستهدف حرب الاستنزاف هذه التي بدأت عملياً عام 1975، مع استرجاع المغرب صحراءه من الاحتلال الإسباني، الإثبات للعالم أنّ الجزائر هي القوة الإقليمية المهيمنة في المنطقة، وأنّ من حقّها التمدد في كل الاتجاهات، وأن تمتلك كياناً يدور في فلكها، هو “الجمهوريّة الصحراوية” الوهميّة. يؤمّن لها مثل هذا الكيان أن تكون دولة مطلّة على المحيط الأطلسي. يسعى النظام الجزائري الى ذلك، علماً أنّ في استطاعته التفاوض مع المغرب كي يكون لديه ممرّ الى الأطلسي، ولكن في ظلّ احترام السيادة المغربية على كل الأرض المغربيّة، بما في ذلك الصحراء.
يستطيع من يمتلك حداً أدنى من الوعي والواقعيّة استيعاب أنّ الانتخابات النيابية والمحلّية المغربيّة التي أجريت في الثامن من أيلول (سبتمبر) الجاري، لم تكشف أحزاب الإسلام السياسي التي لا تمتلك سوى الشعارات للتغرير بالناخب البسيط فحسب، بل كشفت أيضاً عمق تمسّك المواطن المغربي ببلده.
في السنوات الـ22 من عهد الملك محمّد السادس تحقّق الكثير. من بين ما تحقّق دستور عصري أقرّ في استفتاء عام 2011، وانتخابات تجري في موعدها في ظلّ تداول سلمي للسلطة بين الأحزاب المتنافسة. حكم حزب “العدالة والتنمية” عشر سنوات عبر حكومات شكّلها عبد الإله ابن كيران وسعد الدين العثماني. كانت تلك مدّة كافية كي يقول الشعب كلمته ويجعل من حزب “التجّمع الوطني للأحرار” الليبرالي يحل في المركز الأوّل في الانتخابات الأخيرة. أوتوماتيكياً، كلّف محمّد السادس الأمين العام للحزب عزيز أخنوش تشكيل الحكومة الجديدة. هناك أحزاب تتنافس في ما بينها، فيما المؤسسة الملكيّة في وضع الضامن لتطبيق الدستور المعمول به.
لم يكن ما شهده المغرب حدثاً عاديّاً بمقدار ما ستكون له انعكاساته في كل دول شمال أفريقيا التي تعاني من اضطرابات سياسية. تعاني من مثل هذه الاضطرابات إمّا بسبب تغوّل الإسلام السياسي، كما حصل ويحصل في ليبيا وتونس… أو بسبب إصرار المؤسسة العسكريّة، كما حصل في الجزائر، على الإمساك بمفاصل الحياة السياسيّة والتحكّم بها بدل ترك الشعب يحدّد خياراته السياسيّة بحرّية.
هل هناك من يريد التعلّم من الحدث المغربي خدمة للسلم الأهلي في بلده… أم سيستمر الإصرار على تصدير النظام الجزائري أزماته الى خارج حدوده، معتقداً أن لا قيمة لما يؤمن به أهل الأقاليم الصحراوية في المغرب؟ هؤلاء انتهزوا فرصة الانتخابات الأخيرة ليقولوا بصوت عال إنّ الصحراء مغربيّة وإن مغربيّة الصحراء ضمانة لهم ولمستقبل أبنائهم… وللاستقرار في المنطقة.