إصرار لبناني على إعادة اللاجئين السوريين.. ما المستجدات؟

سوسن مهنا: الأمم المتحدة لن تقدم المزيد من المساعدات، لسبب مهم وهو أن الحكومات اللبنانية المتلاحقة غير صريحة وغير واضحة

النشرة الدولية –

الحل نت – عاصم الزعبي –

مخطط إعادة اللاجئين السوريين من لبنان لا يزال مستمرا على الرغم من التحذيرات الدولية والأممية للحكومة اللبنانية بعدم الإقدام على هذه الخطوة، فبعد وجود خطة من وزير المهجرين اللبنانيين، عصام شرف الدين، لإعادة 15 ألف لاجئ شهريا، كلف رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، قرارا قضى بتكليف المدير العام للأمن العام، اللواء عباس ابراهيم بمتابعة موضوع “إعادة السوريين”، ليكون الملف قد انتقل لثالث مسؤول لبناني خلال عدة أشهر.

منذ مطلع شباط/فبراير الماضي، تردد الحكومة اللبنانية، عبر مختلف مسؤوليها اسطوانتها المعتادة بوجوب إعادة اللاجئين السوريين في لبنان، تحت ذريعة عودة الاستقرار في سوريا ونهاية الأعمال القتالية من جهة، وبسبب تشكيلهم ضغطا على البنية التحتية اللبنانية، والمجتمع والاقتصاد اللبنانيين، وفق التعبير الحكومي اللبناني، ولكن تنقل الملف بين عدة مسؤولين إضافة للمواقف الدولية الرافضة للخطة اللبنانية، والانقسام بين اللبنانيين أنفسهم يطرح تساؤلات حول ما ستحمله الأيام القادمة للاجئين السوريين.

رغبة في العودة أم ابتزاز؟

رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، وجه يوم الخميس الماضي، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس قال فيها إن “ما يواجهه لبنان يقتضي مقاربة مختلفة في التعاطي مع أزمة النزوح السوري قبل أن تتفاقم بشكل يخرج عن السيطرة”، حسب تعبيره.

مخيم للاجئين السوريين في لبنان “وكالات”

وحذّر ميقاتي في رسالته، من أن “الاستمرار في إقفال الباب أمام دراسة أيّة فرصة لعودة متماشية مع القانون الدولي يزيد من تأزم الوضع في دول اللجوء، لا سيما لبنان”.

الصحفية اللبنانية، سوسن مهنا، ترى خلال حديثها لـ”الحل نت”، أنه في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان، فإن حكومة ميقاتي ترى أن المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة للبنان غير كافية، ففي العام 2021 تم تسليم الحكومة اللبنانية مبلغ مليار و69 مليون دولار من أصل 2 مليار دولار من المبلغ المخصص لخطة الاستجابة للجوء السوري.

منذ حزيران/يونيو الماضي، بدأ ميقاتي بابتزاز المجتمع الدولي وتهديده، بأنه سيعمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية “اللبنانية” وليست الدولية، وهذا ما دفع منسقة الاستجابة الأممية في لبنان، نجاة رشدي بالرد على ميقاتي وتذكيره وحكومته بمبدأ عدم الإعادة القسرية وفق القانون الدولي، وضمان عودة طوعية وآمنة وكريمة للاجئين السوريين إلى بلدهم، بحسب مهنا.

تنقل ملف اللاجئين بين المسؤولين!

خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كان هناك تسارع في مسار إعادة السوريين طوعا إلى سوريا، وخاصة بالاعتماد على خطة وزير المهجرين، عصام شرف الدين، بإعادة 15 ألف لاجىء شهريا بالتنسيق مع حكومة دمشق لإعادتهم إلى مناطق آمنة تحددها دمشق.

لكن ومع الانتقادات والرفض لهذا التوجه، توضح سوسن مهنا، أنه في آب/أغسطس الماضي قام ميقاتي بنقل ملف عودة اللاجئين السوريين من يد شرف الدين، إلى يد وزير الشؤون الاجتماعية، هيكتور حجار، الذي أكد في حينه أن الدولة اللبنانية ملتزمة بمبدأ عدم الإعادة القسرية، ولكن في الوقت نفسه فإن الوضع في لبنان لا يحتمل، لأن لبنان لا يتلقى مساعدات كافية، وما يأتي منها أقل مما تم الاتفاق عليه، ومذكرا بأن 35 بالمئة من سكان لبنان هم من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وأن 82 بالمئة من الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر.

وبحسب مهنا، مؤخرا تم نقل الملف إلى يد اللواء عباس إبراهيم، ما يدل على أن الملف انتقل إلى ملف مسيس، على الرغم من أنه ملف إنساني، وإن كان يشكل ضغطا على المجتمع اللبناني والدولة اللبنانية، لهذا طُلِب إلى إبراهيم تنسيق مسألة عودة اللاجئين، ولكن ذلك لن ينجح لأسباب أهمها، أنه لا توجد مناطق آمنة في سوريا على عكس ادعاءات دمشق، وأيضا فإن شريحة كبيرة من اللاجئين السوريين في لبنان هم سياسيون معارضون لحكومة دمشق ومطلوبون لأجهزتها الأمنية.

خلاف لبناني أممي وانقسام لبناني

استتباب الأمن في سوريا، ووجود بيئة آمنة وملائمة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم هو محور الخلاف اللبناني الدولي.

فبحسب مهنا، فإن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لا تزال تصر على أن الأمن في سوريا لم يستتب بعد وهي غير ملائمة لعودة اللاجئين، فيما ترد الحكومة اللبنانية بأن رفض الأمم المتحدة نابع من منطلق سياسي وليس إنساني أو قانوني، حيث تعتقد الحكومة اللبنانية أن الأمر يتعلق بإعادة التطبيع مع حكومة دمشق.

من جهة ثانية، فإن هناك انقساما في لبنان، بعد تحويل الملف ليد أكثر من مسؤول لبناني، حيث اتهم قسم من السياسيين اللبنانيين، نجيب ميقاتي بأنه يعمل بأجندة سياسية وهناك تغير في موقفه، وعلى رأسهم عصام شرف الدين الذي زار دمشق مؤخرا ولكن على رأس وفد حزبي، حتى أن مستشار رئيس الحكومة، أوضح أن زيارة الوفد إلى دمشق لا تمثل الدولة اللبنانية، ولا اللجنة الوزارية الخاصة بمناقشة ملف اللاجئين مع المنظمات الدولية، فالملف إذا دخل في مرحلة تسييس كاملة، فهناك جهات تريد عودة السوريين بأي شكل وبصرف النظر عن النتائج، وهناك جهات ترى عكس ذلك، بحسب مهنا.

سوريون بين إعادة التوطين وتحذير من تهمة الإرهاب

في تصريح سابق لوزير المهجرين، عصام شرف الدين، أوضح أنه في العام المادة أُعيد توطين نحو 9 آلاف سوري في بلد ثالث لم يعلن عنه، مبينا أن الأمم المتحدة كانت قد وعدت بمساعدات أكبر خاصة أن أعداد السوريين لا تزال كبيرة في لبنان، وهناك المزيد منهم ممن لا يزالون يتدفقون.

مهنا، ترى أن الأمم المتحدة لن تقدم المزيد من المساعدات، لسبب مهم وهو أن الحكومات اللبنانية المتلاحقة غير صريحة وغير واضحة مع الأمم المتحدة، فملف اللاجئين يخضع للجهة المسيطرة سياسيا وذلك حسب رئيس الحكومة الموجود، وهذا ما يبعده عن كونه ملفا إنسانيا ليتحول إلى ملف سياسي.

أشارت مهنا، إلى أن هناك شقا أمنيا مهما يجب الحذر منه، وهو ملف الخلايا الإرهابية المرتبطة بتنظيم “داعش”، فهناك خوف خلال المرحلة المقبلة من أن يتم ربط مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان بإيواء عناصر إرهابية لتفجير الوضع في لبنان، ولتهديد الأمن الاجتماعي اللبناني، لذلك سيكون هناك ضغط أكبر خلال المرحلة المقبلة على هذا الملف، وسيتم الحديث في الإعلام أن مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان هي مأوى آمن لبعض العناصر الإرهابية المرتبطة بتنظيم “داعش”.

وختمت مهنا، بأن سوريا ليست مكانا آمنا لعودة اللاجئين السوريين، فهم معرضون للعديد من الأخطار منها الاعتقال، لذلك يجب على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إعادة النظر بدعم هذا الملف.

خطة لبنان والقانون الدولي

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أوضح أن الخطة اللبنانية تخالف القانون الدولي واتفاقيات اللجوء، إذ تحاول الالتفاف على اتفاقية اللجوء من خلال ادعاء أن سوريا باتت آمنة لعودة اللاجئين، حيث تم اعتماد مذكرة صادرة عن مفوضية شؤون اللاجئين تنص على أنه”يحق للدول بموجب القانون الدولي طرد الأشخاص الذين يتبين أنهم ليسوا بحاجة إلى حماية دولية، وأنه من واجب بلدان الأصل أن تسترد مواطنيها، وينبغي أن تتم العودة بطريقة إنسانية مع احترام كامل لحقوق الإنسان وكرامته”.

كما أن ما تقوم به الحكومة اللبنانية، يخالف مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي نصت عليه اتفاقية مناهضة التعذيب، والتي يعتبر لبنان طرفا فيها، وتنص في مادتها الثالثة على أنه ” لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توفرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب”.

مخاطر عودة اللاجئين من لبنان

هناك العديد من العوامل التي تعتبر أسبابا، تمنع معظم اللاجئين السوريين في لبنان من العودة، فالعامل الأمني لا يزال العامل الأقوى وله التأثير الأكبر في اتخاذ قرار العودة من عدمه، فأجهزة دمشق الأمنية تعتبر أن غالبية من غادروا البلاد من المعارضين، وبالتالي لا بد من التحقيق مع قسم ممن يعود منهم، كما يمكن أن تحصل عمليات اعتقال واختفاء وقتل تحت التعذيب، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك الخدمة العسكرية الإلزامية التي تنتظر العائدين، حتى وإن حصلوا على تأجيل أولي لمدة 6 أشهر، كما أن الوضع الاقتصادي والبنية التحتية المدمرة، وعدم وجود فرص عمل وانهيار الاقتصاد بشكل عام من أهم الأسباب التي تمنع اللاجئين من العودة.

أشار تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” تحت عنوان “حياة أشبه بالموت”، والذي يتحدث عن عودة اللاجئين السوريين من الأردن ولبنان، والصادر في تشرين الأول/أكتوبر 2021، إلى أن اللاجئين السوريين الذين عادوا من الأردن ولبنان بين عامي 2017، و2021 “تعرضوا لانتهاكات حقوقية جسيمة واضطهاد من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، مثل التعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والاختفاء القسري”.

أضاف التقرير أنه “لا تزال السلامة والأمن في سوريا في طليعة المخاوف بالنسبة إلى اللاجئين عند اتخاذ قرار العودة إلى ديارهم. وحتى الذين يقررون العودة هم غالبا يفعلون ذلك تحت ضغط شديد، وفي الأردن، تسبب الانكماش الاقتصادي وتدابير الإغلاق الصارمة في تقويض سُبل عيش آلاف اللاجئين السوريين، اللاجئون الذين يقررون العودة إلى سوريا، ليس لديهم في الغالب سوى معلومات محدودة عن الأوضاع داخل البلاد”.

إقرأ:لماذا تصر لبنان على إعادة اللاجئين السوريين؟

ملف عودة اللاجئين السوريين في لبنان من الملفات المعقدة التي تخضع لحسابات سياسية لبنانية بالدرجة الأولى، وهو ملف إنساني يحتوي على تهديدات خطيرة فيما لو تمت إعدة سوريين إلى سوريا بشكل قسري، وبين هذا وذاك لا تزال المواقف الدولية والأممية من هذا الملف غير واضحة تماما، فهو بحاجة لحسم أممي وهذا ما قد يحدث خلال المرحلة القادمة فيما لو تم تصعيد ضغط المنظمات الحقوقية والإنسانية على الأمم المتحدة ومنظماتها.

زر الذهاب إلى الأعلى