بين بعبدا والسراي حكومة “قيد النقاش” حتى نهاية العهد
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
نداء الوطن –
غريب كلام النواب في جلسة مناقشة الموازنة. انتقاداتهم للحكومة، توصيفهم للأزمة، محاكاتهم لمعاناة الناس وارتفاع سعر الدولار وارقام الموازنة. يستحق من يكتب للنواب الكرام كلماتهم المنقولة مباشرة على الهواء الثناء لدقة متابعته وتماهيه مع نبض الشارع. كيف لا والجلسة في بث حي ومباشر وهذا سبب لكثرة طالبي الكلام ورفع لهجتهم. رفع النواب لهجتهم ازاء حكومة تصريف الاعمال وكالوا لها الاتهامات بالتقصير والحبل على الجرار اليوم. تلك الحكومة التي بالكاد تسيّر الاعمال فيما رئيسها المكلف مجدداً عاجز عن تشكيل حكومة بديلة والسبب «اصرار عون على ان التشكيل لا يزال يحتاج الى نقاش مستفيض».
خمسة اشهر في ظل حكومة تصريف الاعمال. ست زيارات لبحث التشكيلة الحكومية انتهت من دون الاعلان عن حكومة. كلما اعلن عن زيارة رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الى قصر بعبدا أنعش التفاؤل بقرب تشكيل الحكومة. منطق الامور يقول إن اي لقاء يجمع بين رئيسي الحكومة والجمهورية يعني ان بحث موضوع الحكومة سيكون ثالثهما حكماً. لكن الواقع لم يطابق التوقعات وزيارة ميقاتي الى بعبدا لم تتجاوز الحيز البروتوكولي برغبته في ابلاغ عون بسفره الى بريطانيا للمشاركة بتشييع الملكة اليزابيت، ثم التوجه للمشاركة في اجتماعات نيويورك. نتحدث هنا عن غياب عشرة أيام أو ما يزيد يعلق خلالها اي بحث بشأن الحكومة.
مبتسماً غادر ميقاتي بعبدا متوجهاً الى الصحافيين بالقول: «هالمرة قعدنا نص ساعة، مشوار الجايي رح اجي وضلني قاعد حتى تشكيل الحكومة، وما رح روح، رح نام هون». ولما سئل عن الموعد المقبل، اجاب: «بعد عودتي من السفر».
قصد ميقاتي في كلامه الرد على قول رئيس الجمهورية بأن ميقاتي يقصده زائراً لدقائق ثم يخرج خالي الوفاض. رد ميقاتي على عون واعداً بزيارة لن يخرج بعدها الا وبيده حكومة خاصة وان عون أبدى استعداده لمناقشة موضوع الحكومة في الزيارة المقبلة، ما يعني ان الملف الحكومي لا يزال في طور النقاش الذي قد يستلزم مزيداً من البحث واجتماعات مفتوحة على المجهول.
معطيات مصادر معنية بملف الحكومة قالت ان ميقاتي سوف يقصد بعبدا بعد العودة من سفره حاملاً التشكيلة الحكومية الحالية من دون زيادة او نقصان وسيرضى بها رئيس الجمهورية، ملمحة الى انفراجات حكومية قريبة في حال صدقت النوايا لتقول ان عون لن يقبل حكماً المس بالتوازنات الحكومية القائمة حالياً، والتي تفرض عدم تغيير اي اسم من الوزراء الحاليين لتؤكد التراجع عن طرح وزراء الدولة الستة على سبيل التوازن السياسي.
تفاؤل لا تلاقيه السراي الحكومي، التي لا تزال تشكك في نوايا رئيس «التيار الوطني الحر» بقبول الحكومة الحالية، وتعتبر ان مجرد قول عون لرئيس الحكومة ان الموضوع الحكومي سيكون موضع نقاش مجدداً، يعني ان عون لن يرضى باستمرار الحكومة الحالية وهو لم يسلم بالامر الواقع.
بالمقابل سيمرر ميقاتي الوقت المتبقي من عمر العهد بالتشاور قاصداً بعبدا بين اسبوع وآخر، وفي نهاية المطاف قد تبقى حكومة تصريف الاعمال وهي ليست مخالفة للقانون ويمكنها ان تمارس مهامها المتفق عليها دستورياً في ظل غياب رئيس الجمهورية، اي ان التوقيع على القرارات يكون من اختصاص الوزير المختص ورئيس الحكومة لا الحكومة مجتمعة.
يريد ميقاتي تشكيل حكومة جديدة او تعويم الحكومة الحالية بإجراء تعديلات طفيفة عليها لتلافي مشكلة لكن في حال تعثر ذلك فلا حول ولا قوة.
واذا كان عون يصر على تشكيل حكومة تتناسب والفراغ الرئاسي فان ميقاتي والآخرين لن يمنحوا العهد في آخر ايامه ما منعوه عنه طوال ست سنوات. قبل ايام جاء من يهمس لميقاتي طالباً إليه التنبه من ان باسيل يصبو الى طرح صيغة الوزراء الثلاثة ليكون وسليم جريصاتي في عداد وزراء الحكومة التي ستتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، فرفض رئيس الحكومة الطرح من اساسه مكتفياً باقتراح تعديلات لا تتعدى تغيير وزير او اثنين. بين بعبدا والسراي مشوار يقاس بالايام وليس بالمسافات ومن هذا المنطلق تتم مقاربة ملف تشكيل الحكومة. نتحدث هنا عن رئيس عنيد يرفض ان يسلم لخصمه ايا كان الثمن، ورئيس حكومة يخوض مواجهته الحقيقية في وجه باسيل مانعاً عليه اقتحام حكومته والسيطرة عليها.
الحكومة لم تعد أولوية، ولا نوايا جدية لتشكيلها رغم اعلان العكس من قبل المعنيين. هي مرحلة سيحكمها الفراغ والمراوحة وتقطيع الوقت على كل المستويات وحده سعر صرف الدولار يحلق دون افق بلا رادع او قدرة على التحكم به. لكن يكفي ان النواب يعلمون ويتحدثون عن الامر. وتلك هي النعمة.