لا تكثر من التوابل في مقال
بقلم: هيثم الزبيدي
النشرة الدولية –
أثناء إعداد موضوع للنشر، ثار نقاش مع المحرر المسؤول حول كم المعلومات الإضافية أو الاستشهادية التي يمكن إضافتها للموضوع من دون أن تختطف هذه المعلومات تركيز القارئ وتشتت انتباهه بعيدا عن لب القضية. تكتب عن شخصية مثلا، هل تستشهد بمثال أم مثالين أم أكثر لتقريب الفكرة من ذهن القارئ؟ تكتب عن شأن سياسي، هل من الضروري أن تمر المقاربات بسرد تاريخي؟ ثمة كتّاب في السياسة لا يفارقون حقبة تاريخية، كل شيء يقاس على فترة الستينات مثلا، وكل شرح لما يحدث الآن يجب أن يصاحبه المثال الستيني، مدحا أو ذما. غيرهم أذكى حين يستدعون مراحل التاريخ كلها، فتتلون كتابتهم وتصبح أكثر إثارة.
هنا مسألة مهمة. من قبل كنا نستدعي الذاكرة. الكاتب أو الصحفي الجيد هو الذي يختزن كمّا مفيدا من المعلومات يوظفه في كتاباته. ليس فقط استدعاء لشخصيات أو لأحداث تاريخية أو حتى معاصرة، بل توظيفا لفهم قضية مختلفة في تفسير ما يكتب عنه. يستطيع القارئ أن يشخص الكاتب الموسوعي من المعلق الآني. المسألة لا ترتبط بالسن، ولكن في قدرته على توظيف ما يستذكره في تقديم مقالته لقارئ يريد أن يفهم.
اليوم الفيض الإخباري والمعلوماتي كبير. ماذا تأخذ لتوظفه وماذا تستبعد؟ هل تشابه الأحداث هو المعيار أم الكتابة عن شخصية والعودة إلى تاريخها أم وضع ما يشبه الكلمات المفتاحية في المقال وكأننا نعمل بحثا عن شيء في قاعدة بيانات؟ هذا الفيض مغرٍ بالطبع للكاتب، ويزيد من الإغراء ما توفره محركات البحث على الإنترنت. الكاتب في آخر الأمر يستعرض مهاراته كصانع محترف يسعى لاستقطاب الاهتمام. ما الذي يمنع من أن يترك انطباعا ضافيا لدى القارئ بأنه يفهم أكثر أو يتذكر أكثر أو يعرف أكثر؟ بغوغل أو بغير غوغل، هي أدوات، مثلها مثل ما تسترجعه من مجلة قديمة قرأتها أو كتاب تسحبه من مكتبتك.
خيط رفيع يفصل بين التوظيف الصحي كما ونوعا للمعلومات في المقال، والمبالغة في الإكثار من الاستعارات والإسقاطات. عن ماذا تكتب؟ عما تعرفه مسبقا، أم عما تريد أن تعرفه أنت أولا حتى قبل القارئ؟ هذا يشبه ذاك الشخص والشخص الآخر وفعلهما يشبهان فعله. هذه الحادثة تشبه تلك الحادثة والحادثة الأخرى والحادثة الثالثة. ما أن تترك هذه الأمور تتسلل بمبالغة إلى المقال أو الموضوع، حتى يضيع القارئ، أو أن يتهمك بالاستعراض. القارئ هو رصيدك المعنوي الأهم. تريده أن يعود مرة بعد أخرى. لا تجعله يمل.
استعارتان تحضران في الذهن. أم البيت الهادئة والخبيرة لا تستخدم كل التوابل المتوفرة عندها في دولاب المطبخ في كل طبخة: الطبخة تفسد. والرسام الفنان لا يستخدم كل الألوان في علبة الألوان المتاحة ليرسم لوحته: كل الطيور في لوحاته ستصبح ملونة ألوان ريش الببغاء.
ها أنا نفسي أقع في فخ الإسراف في الاستعارات والأمثلة.