ماك آرثر ودول الصمود
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

ما نسبة من يعرف أين تقع البهاماس أو باربيدوس أو بوتان؟

أو حتى الرأس الأخضر، كاميرون، كوستاريكا، لوكسمبورغ، مالطا، منغوليا، النرويج، بنما، بيرو، البرتغال، سانتا ماريا، سانت فينسنت، سان مارينو، سيشل، سلوفينيا.. وغيرها، أو عدد سكانها ومساحتها وحجم اقتصادها، ونظامها السياسي، وكيفية الوصول إليها، وهل يحتاج المسافر لسمة دخول لها أم ماذا؟

ولو سأل أي منا نفسه متى سمع أي خبر عنها في مختلف وسائل الإعلام لما تذكر حتماً، فغالبية هذه الدول مستقرة ولا تشكو من صراعات سياسية دينية ومذهبية وعرقية وعنصرية، وإن كان لديها شيء من ذلك فمن الواضح أنها نجحت في تحييدها والتعايش معها بسلام.

بانتقال الوضع لمنطقتنا بدءاً من العراق واليمن ومصر والسودان وليبيا والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، ولبنان وسوريا والأردن، وفلسطين وإيران وباكستان وتركيا والملايو وإندونيسيا وأخيراً أفغانستان.. وغيرها، لوجدنا أنها شاغلة نفسها والدنيا بأخبارها من خلال كل وسائل الإعلام والتواصل طوال ساعات الليل والنهار. فلا يمر يوم دون أن نسمع عن تفجير في إحداها، أو قتل جماعي في الأخرى، أو صراع قبلي أو طائفي في ثالثة، وهكذا! وكلها أمور وأحداث تجذب الإعلام العالمي، ويتم الترويج لها بشكل واسع، بغية حصد أكبر عدد من المشاهدين، وما يعنيه ذلك من انتشار أوسع، وإعلانات تجارية أكثر.

يعتبر دوغلاس ماك آرثر (1888 – 1964) من أشهر جنرالات الحرب الأميركيين، فقد أبلى جيداً في الحرب العالمية الثانية، وكان له دور ليس فقط في إلحاق الهزيمة باليابان، بل في تغييرها جذرياً بعد أن عيّن حاكماً عسكرياً لها بعد استسلامها في سبتمبر 1945، واستمر في منصبة حتى تقاعده عام 1951.

نجح ماك آرثر خلال سنوات حكمه في إحداث انقلاب بالغ الأثر في شخصية وثقافة واحدة من أكثر الشعوب اعتداداً بنفسها وكبريائها، وساعدها في التخلص من عقدها وبناء دولتها، من خلال نظام ديموقراطي يناسب تقاليدها. كما أسهم في وضع دستورها المميز، الذي حرم عليها المشاركة في أية حروب أو عمليات عسكرية مستقبلاً، وقضى على عبادة الإمبراطور، وأبقاه رمزاً للوحدة الوطنية.

كما أجرى إصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية شاملة في اليابان، أسهمت في تسارع تقدمها الاقتصادي والصناعي واستقرارها السياسي. وأسهم في حرمانها دستورياً من المشاركة مستقبلاً في أية حروب خارجية في توفير تريليونات الدولارات، التي كان من الممكن أن تنفق لتسليح الجيش، وبالتالي وجهت تلك الأموال للتنمية والاستثمار بأفضل الطرق!

من الواضح أننا فشلنا جميعاً، وعلى مدى قرون، في أن نرتقي بدولنا إلى مصاف الدول «نصف» القوية، بالرغم من امتلاكنا لكل مقومات التقدم والازدهار، وربما نحن بحاجة إلى ماك آرثر يأتينا لينتشلنا من عميق مشاكلنا ويضعنا على طريق التقدم. ولكن هل نحن مهيؤون لمثل هذا السيناريو الذي يمكن ان يغير من بنية مجتمعاتنا، بصورة جذرية، ويضعنا على جادة الصواب؟

لقد جاء «برايمر» وحكم العراق لسنوات، وكان مطلق الصلاحية، وسبقه الجنرال جي غارنر، لبضعة أشهر، وأيضاً بصلاحيات واسعة، ولكن الاثنين فشلا في تحقيق شيء، لأن السياسيين العراقيين، ومن ورائهم أصحاب عمائم الطرفين، أفشلا كل خططهما.

ولم يكن ما حدث مؤخراً في أفغانستان بعيداً عما حدث في العراق وغيرها من.. دولنا!!

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى