هدأت عاصفة ميّاس!!! فابحثوا عن آخر فلسٍ في جيوبكم، فالعاصفة القادمة لن تُبقي ولن تذر
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

المغرد –

بين “ميّاسة” و “ميّاس” آلاف السنين، ورغم ذلك فهي تبدو في بعض الأحيان أقرب من المسافة بين العقل والقلب، في أي حوار بينهما، حول الخطأ والصواب، أو الصح والأصح، في مسالك الحياة الوعرة والمتشعّبة، حيث تسير عامة الناس، على غير هُدىً، يسوقها سيل جارف من التطوّر التكنولوجي والمعلومات، وعشق لا يوصف للخروج عن النمطية والعادات القديمة، في رحلة البحث عن الذات، التي غالباً يصعب إيجادها، وتحقيق مبتغاها في هذا العالم.

منذ آلاف السنين أذلّت مياسة ابنة كندة، فرسان قبيلة قريش، الذين تقدّموا لخطبتها، وتغلّبت عليهم واحداً واحداً في النزال، فرفضت الزواج بمن غلبتهم، وقبلت الزواج بالمقداد ابن الأسود الكندي، على فقر حاله، لأنه تفوّق عليها في القتال. وبغض النظر عن المبالغات، التي تتضمنها رواية العشق بحد السيف تلك، فإنها تحمل مغزىً أعمق من ذلك بكثير، وهو الإجابة على سؤال دائم : ما هو الخطأ وما هو الصواب، والصح، والأصح والأفضل؟؟

فمياسة جميلة العرب ومُنى ساداتهم آنذاك، كانت تعلم أن المال والنسب يزينان الرجال، لكنها رأت أن الشجاعة والفروسية، هما الأجمل في الرجل.

أما “ميّاس” لبنان، التي تقدم لخطب ودّها، سادات تويتر وفايسبوك، وكل من لديه نافذة أو طاقة صغيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، فراح يمتدح جمالها ويتباها بشعرها المجدول، ويذوب صبابة على خصر فتياتها الميال، فنطق الأبكم مديحاً وشعراً، وسمع الأصمُّ رنين خلخالها، وتدحرجت القلوب عند أقدام راقصات، زلزلن مسرح “أمريكا غوت تالنت” وأبهرنَ العالم بأرداف الحضارة والقدِّ المياس.

 

يحق لفرقة ميّاس طبعاً، أن تتفاخر بما أنجزته وحققته من نجاح، لكن ما هذه العاصفة الهوجاء من المطبّلين !!!!!؟؟؟ أن يتفاخر بذلك مسؤولٌ فاسد فاشل، سرق شعبه وأذلّه، فهذا قِمّة الرياء ومنتهى الصفاقة والغباء، ومن يعتقد أن مجد الوطن يتحقق بفوز فرقة رقص هنا، وفريق رياضة هناك، أو “أكبر جاط تبولة” و “أطول سندويش”، فهذه حقاً مآساة، ونتاج أدمغة عقيمة صماء بكماء.

كما في كل شعب، هناك عباقرة من لبنان، هاجروا وأبدعوا وأبهروا العالم، ورغم ذلك بقي هذا الوطن في حالة يُرثى لها، ولم يسعفه أنه أرسل للعالم نوابغ، كما لم تُسعفه هياكل بعلبك في بناء دولة اهترأت أعمدتها، ولا داعي لنشرح لكم كم يعاني شعبه، فكلكم يعلم ذلك.

لا يمكن لعاقل أن يغامر ويخاطر، بالدخول في مساجلة، مع عشاق الخصر المنحوت، وقارعي الطبل “المفخوت”، أو نافخي الزمر وابطال “السياقين” السُمر، فكيف بفتىً أدرع ذي سروال مُشرع، ولسان “الطع”، يصول ويجول في ميادين هاتِفه النقال، يُجندل في ميادينه الأبطال، ويُغدق على حسناوات تطبيقاته بالف لايك ومقال!!! ؟؟؟

لا أُخفيكم سراً أنني أجاهد نفسي، وحتى أجلدها كل يوم، وكسرت وأكسر أقلامي مرات ومرات، كي أتجنب مساجلة هؤلاء.

طبعاً! إن الفنون جميعها شيء جميل، ينمُّ عن إبداع العقل، وقد وُجدت لتساهم بطريقة ما في الترفيه عن النفس، ولتبعث السرور فينا، وتجعل حياتنا أجمل.

لكن الأصح هو أن العلوم هي التي تجعل معيشتنا أسهل، وحياتنا أفضل. وفي الأثنين، يجب أن تكون حدود الاهتمام والتقدير، هي مقدار المنفعة الإنسانية، وليس الانبهار أو استخدامهما للاستغلال والتبجح أو الظلم أو القتل.

نُحب الرياضة والرياضيين، والفن والفنانين، وماذا عن العلم والعلماء!!!؟؟؟.

إن ما يحدث في هذا العالم، بات يثير الإشمئزاز والسخرية حقاً، وكثيراً ما نتساءل عندما نرى شخصاً، قُصارى إبداعاته، أن يركل الكرة، أو يرقص ويغني، ويخبط الأرض بقدميه، أو يمثّل ثم يتقاضى مليارات الدولارات على هذا الإبداع العظيم، وتهتف الملايين باسمه، وإذا ارتدى سروالاً ممزقاً، قلّد العالم فعلته، وقدّسها وكأنها نبوءة سليمان.

وإذا مرّ بمكان، فصراخٌ وهُتافٌ وبُكاء، وشبابٌ وشاباتٌ يتراكضون من حوله، للحصول على عناق، أو توقيع، أو سلام، وربما التفاتة منه فقط تكفيهم.

الإعلام بكل وسائله وصنوفه يروّج لهؤلاء، وخلفهم تقف شركات كبرى، فتجارة التسلية هي الأكثر ربحاً ورواجاً في عالم اليوم، والكل طبعاً يتقاضى أجره، ووحده الشعب الموهوم المسكين، يدفع الثمن للجميع، وبكل طيب خاطر. وهؤلاء المشاهير، ومِن خَلفِهم جماعةُ المرائين والمرابين، يعيشون حياة البذخ والفسق والفساد والمجون، وها هم اليوم يُمجّدون المثلية تحت شعار ” مثلي وافتخر” .

ماذا يقدم هؤلاء للبشرية، لتدفع لهم بهذا السخاء؟؟؟ بل لتمجّد أفعالهم، وكأنهم حقاً ابطال ساحات الوغى!!!؟؟؟ اذا فاز فريق؛ لبناني، أو عربي، أو فرنسي، أو أمريكي، أو غير ذلك، فماذا يُقدّم ذلك للشعب والوطن؟؟؟ فهل بهذا يتم تطوير النظام، ويتطور الاقتصاد، وتتحسن التقديمات الاجتماعية، من تعليم وطبابة وعمل وعدالة، ويكتفي الفقراء، ويختفي المساكين والشحاذون من الطرقات، وتصبح هذه الدولة متقدمة، وشعبها يرفل بالسعادة والرخاء؟؟؟

ما الفرق أكان الفائز في المباراة لبنانياً، أم يحمل جنسية بلد آخر؟؟؟ أوليس من العدل أن يفوز الأكفاء والأفضل؟؟؟ وهل فوز فتاة بمنصب ملكات الجمال مثلاً، يعني أن كل فتيات هذا البلد أصبحن جميلات، أو ملكات جمال؟؟؟ وهل هذه الفتاة بذلت مجهوداً فائقاً تستحق عليه التقدير ؟؟ أم أن جمالها هبة الخالق دون عناء ؟ وهل حقاً فوز فريق رياضي يصنع فعلاً مجداً للوطن؟؟؟

لا شك أن هذا العالم يعيش في ظلال الحقيقة، والأسوأ من ذلك أنه يمتهن الخداع والكذب والغش ويقوم على مفاهيم بمجملها خاطئة. فإنّ عامة الناس، تُمجّد المنافقين، وتعبد جلّاديها، وتركض لاهثتاً خلف راقصة أو مغنٍ أو لاعب كرة، بدل تمجيد الابطال الحقيقيين، من علماء ومخترعين، وأطباء، ومفكّرين، وأدباء، وأساتذة قانون، وقضاة عادلين، يُسهمون في تطوير هذا العالم، ورُقي المجتمعات، وتحقيق العدالة.

عالم تقتله الأنانية، ويعشق التباهي، ويمتهن الاستغلال، ويعميه التعصب والغرور، وربما صحيح ما قاله جبران خليل جبران:

 

الخيرُ في الناسِ مصنوعٌ إذا جُبِروا

والشرُ في الناسِ لا يفنى وإن قُبِروا

وأكثرُ الناسِ آلاتٌ تُحرِّكُها

أصابعُ الدهرِ يوماً ثم تنكسرُ

والسؤال الأهم : ألم يحن الوقت للخروج إلى رحاب الإنسانية الجامعة ؟ أوليست الأخلاق والقيم السامية يجب أن تكون معيار تقديرنا واحترامنا للآخرين، وأساساً لبناء العلاقة معهم؟؟

البعض يتغنى بالوطنية، لكن في الحقيقة فإن الوطنية هي شعار زائف لأنها نوع من أنواع التعصب، الذي سيأتي يوم ويمقتها فيه كل البشر ، مثل أي تعصب آخر أكان عرقياً أو قبلياً أو قومياً أو دينياً، وسيعترف العالم كله أن الإنسانية هي الشعور الأسمى، الذي يجمع البشر، ويستحق التمجيد والتقدير منّا جميعاً .

هنيئاً لمن تغنّى بميّاس والقد الميّاس، فابحثوا الآن عن ضمائركم، وعن فلسٍ في جيوبكم، ثمناً لرغيف خبز، لجائع في لبنان العظيم، فالعاصفة القادمة لن تُبقي ولن تذر، سوى أشلاء وطن وشعب مُنهك موجوع.

زر الذهاب إلى الأعلى