حلم الدَّوْلَة العَلِيَّة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
أسست القبائل التركية القادمة من وسط آسيا إمارتها على الهضاب الآسيوية الأوروبية في يوليو 1299 لترد الغارات البيزنطية عن سلطنة السلاجقة.
بعد انهيار حكم السلاجقة استقلت الإمارات التركمانية التابعة لها، واستطاعت العثمانية منها، التي سميت نسبة لـ«عثمان بن ارطغرل»، الانتصار عليها وتأسيس دولة استمرت قرابة 600 عام، لتنهار في 29 أكتوبر 1923.
عبر العُثمانيُّون الحدود وغزوا أوروبا الشرقيَّة لأوَّل مرَّة عام 1354م. ثم انتصروا عام 1543م على الإمبراطورية البيزنطية واحتلوا القسطنطينية، وغيروا اسمها إلى «إسطنبول»، ولتبلغ الدولة ذروة توسعها وتشمل أجزاء واسعة من أوروبا وآسيا وأفريقيا، وتسيطر على الشَّام ومصر والحجاز سنة 1517م، ومع تنازل «محمد المتوكل» آخر الخلفاء العباسيين لهم، أعلن السُلطان سليم الأول الخلافة العثمانية، وتصبح في عهد سليمان القانوني (1520ــــ1566) قوّة عظمى، ولكنها بدأت بالتراجع عام 1740م، وليسيطر حزب الاتحاد والترقي، عهد عبدالحميد الثاني، على البرلمان. ومع عام 1918 استسلم العثمانيون، في الحرب العالمية الأولى، لِلحُلفاء، لتنتهي صفتها السياسية بتاريخ سنة 1922 وتنتهي الخلافة في 29 أكتوبر 1923 بقيام جمهورية تركيا الحالية مكانها.
تأثرت الثقافة التركية بِالثقافتين العربية والفارسية بشكلٍ كبيرٍ خلال هذه الفترة لدرجة أن %90 تقريباً من مصطلحات اللغة التركية العثمانية كانت ذات أصولٍ عربية أو فارسية، ولكن هذه اللغة سقطت تدريجياً على يد «مصطفى كمال»، وأزيلت عنها غالبية المُصطلحات الأجنبية، وتطعمت بأخرى تركية خالصة.
على الرغم من الطابع السلطوي الدموي والاستعماري الذي امتازت به الدولة «العسملية»، فإن الكثيرين، حتى اليوم، يعتبرونها امتدادًا للخلافة الإسلاميَّة، وبالتالي كان حلم استعادتها وبعثها يسكن قلوب هؤلاء ويراود مخيلتهم، وخاصة العرب، بعد أن نبذها أتراك العصر الحديث، وكرهوها، لأنهم رأوا ويلاتها وعانوا من شرورها أكثر من غيرهم، وخاصة في سنوات انهيارها الأخيرة.
بعد قرابة 680 عاماً من تأسيس إمارة بني عثمان، و60 عاماً على انهيار الخلافة العثمانية، أسس آية الله الخميني جمهوريته الإسلامية في إيران، لتصبح النموذج الأقرب لفكرة الخلافة الإسلامية، لكنها لم تجد هوى لدى الغالبية السنية من المسلمين، عدا بعض الذين حظوا بدعمها المادي والمعنوي.
وبعد 720 عاماً من إمارة بني عثمان، ومئة عام على انهيار الخلافة العثمانية، أسست طالبان إمارتها الإسلامية، في أفغانستان، في نموذج هو الأكثر قرباً لفكرة الخلافة، وأول تطبيق سني لفكرتها، ولم يكن بالتالي غريباً الترحيب الشديد الذي لقيه إعلان تأسيس الإمارة من قبل مختلف الأطراف، وخاصة من أصحاب الاتجاهات الدينية المتشددة.
وعليه ندعو هؤلاء، وأمثالهم من الجانب الآخر، للاتجاه للعيش في إحدى الدولتين، وبالذات مساعدة الدولة الوليدة، الأكثر فقراً من الأخرى، ودعمها بالمال والبنون، لتحقيق الحلم الذي طالما راود أفئدتهم، فيرتاحون ويريحون.