نعيمة الشايجي في طريقها إلى الأمم المتحدة مسيرة تاريخية لرائدة من جيل المؤسسين خرجت إلى العالمية
الجريدة الكويتية – حمزة عليان –
النشرة الدولية –
في كتاب يشدك من أول صفحةٍ خطتها بقلمها، أفرغت الكاتبة نعيمة عبدالرحمن الشايجي تجربتها في ميدان الحياة العملية. وتحت عنوان “طريقي إلى الأمم المتحدة”، الصادر حديثاً عن دار ذات السلاسل للنشر والتوزيع، يسير الكتاب في خطين متوازيين، تعرض فيهما
الكاتبة ما جادت به ذاكرتها من معلومات وما مرت به من أحداث ومواقف في مسيرتها الوظيفية، إلى جانب التوثيق المفيد والمهم لتطوير بعض المؤسسات التي عملت فيها، سواء في الكويت أو على المستوى الدولي ومنظمات المجتمع المدني. ورغم أنه لم يفصلها عن تبوؤ مناصب قيادية عليا في منظمات الأمم المتحدة سوى أمتار قليلة، فإنها بقيت ثابتة على قناعاتها ولم تتنازل عنها.
خرجت الكاتبة نعيمة الشايجي من المحلية إلى الدائرة الأوسع أفقاً وعملاً وعطاء، ممثلة في دائرة العمل الدولي، وهناك حُفِرت التجربة في نفسها بعمق على المستويين الثقافي والفكري.
وفي مقدمة الكتاب تعثر على مبتغاك قبل أن تغوص في ثناياه وتتعرف أكثر إلى تلك الشخصية، فقد أحست أن المهمة ليست بالسهولة التي يتوقعها المرء، لذا اهتمت، قدر الإمكان، بوضع عناوين، بعضها رئيسي وبعضها فرعي، على أمل أن تشد هذه العناوين القارئ حسب المواضيع.
تعترف السيدة نعيمة الشايجي وفي جرأة الواثق من نفسه أنها “تفانت بأداء المسؤولية حتى نسيت نفسها وفقدت الكثير من الامتيازات والعلاوات وأصبحت خير من يضرب فيه المثل بإنكار الذات”، لكن يكفيها شرفاً، بالرغم من عدم تعيينها، أنها كانت اول كويتية ترشح لمنصب وكيل وزارة مساعد، كانت أول كويتية رشحت للتعيين لعضوية المجلس البلدي وأول كويتية بل خليجية، يتم تعيينها آنذاك في منصب دبلوماسي في الأمم المتحدة لمدة سبع سنوات. كان جميلاً منها أن تضع قصتها في صورة تلك الإنسانة التي تعكف على تأليف سيمفونية ذات مقاطع مختلفة ومتباينة في آن واحد، سيمفونية تعزفها عدة آلات عليها أن تتسق في الأداء، فلا تشذ نغمة أو تخرج آلة عن الإيقاع العام، فقد بدت المجاميع التي عملت معها جزءاً منها.
خبرات ومفارقات
لقد وجدت السيدة نعيمة الشايجي نفسها مرغمة وبشكل عفوي على عقد مقارنة بين المواقف التي مرت عليها في شريط حياتها، ومواقف طبعت في ذاكرتها وعالم أحدث تغييراً في أنماط التفكير المعتادة، لكنه أضاف إلى شخصيتها خبرة جديدة لم تكن تتوقعها.
جعلت من “المحنة” عرشاَ تجلس عليه… سارت بعض الأمور ضدها وعكس ما تتمناه وتتوقعه حتى أنه في بعض الأحيان كان هنالك من يتمنى أن يزحزحها من بعض المناصب التي تقلدتها.
أثبتت في أكثر من مناسبة قدرتها على تمثيل بلدها في المحافل الدولية وباقتدار، وخوضها في مجال التنمية كمستشارة دولية في التنمية المتكاملة.
تسعة فصول حصيلة الكتاب الذي توزع على أيام الطفولة والدراسة ثم الإدارة البيئية وقضاياها ومسيرة التخطيط وتحول جهاز التخطيط من مجلس إلى وزارة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية والمنظمات ذات العلاقة وشؤون المرأة محلياً ودولياً ومساهماتها في مؤسسات المجتمع المدني والكويت تحت الاحتلال العراقي ومعهد الكويت للأبحاث العلمية والهيئة العامة لشؤون الزراعة وأحداث ومواقف لابد من تدوينها وأخيراً السيرة الذاتية وإضافات أخرى.
لم تشأ المؤلفة أن تتحدث وتغوص في الجوانب الذاتية والخاصة بل قدمت تجربتها من واقع معايشتها لمختلف الأماكن والدول والمنظمات والهيئات التي عملت بها، بحيث تقرأ سيرة مجتمع ودولة بقدر ما تقرأ عن تدرجها في حياتها العملية.
محطة البحرين
في الفصل الأول روت لنا جزءاً من تاريخ البحرين السياسي والاجتماعي والتعليمي حيث عاشت هناك فترة من الزمن ودرست في المدرسة الخليفية، حدثتنا عن المجتمع البحريني وكيف عادت إلى وطنها ثم أكملت دراساتها العليا في أسكتلندا في الستينيات، وكانت على اتصال دائم بالاتحاد الوطني للطلبة الكويتيين في بريطانيا، تخرجت عام 1968 وهي السنة التي فقدت فيها والدتها.
لم تكن الوحيدة من الطالبات الكويتيات في بريطانيا، فمن بين من كن يدرسن هناك على فترات مختلفة، منيرة القطامي، وشقيقتها غنيمة وفايزة الشماس وليلى الغانم وعادلة الساير وقدرية العوضي وسميرة البدر ورشا الصباح وأختها شهرزاد وسعاد العيسى وعواطف ورجاء البدر وأخريات أرسلن للتدريب.
كانت من جيل المؤسسين الذين حفروا في الصخر وتعبوا على أنفسهم وعاشوا في بيئة منفتحة ووعي أسرى ساعداهم على السفر للخارج مطلع الستينيات للدراسة ثم العمل.
رواية واقعية
في الفصل الثاني والمخصص عن البيئة، ستطالع رواية واقعية فيها الكثير من التشويق والحكايات التاريخية عن مركز تنمية مصادر المياه والتي كانت لها الفرصة للمشاركة فيه بعد تخرجها وهي تخطو أولى الخطوات نحو العمل حاملة شهادة عليا بعلم الكيمياء التحليلية، ففي كل محطة تضع “شخصها” خارج الإطار لتروي لنا تاريخ المركز أو المؤسسة أو المعهد، وهي بذلك تسرد جوانب جديدة لم يتسن لأحد من قبل أن يطلعنا عليها بذاك الوضوح.
لقد أشبعت موضوع البيئة بحثاً وتنقيباً وكيف كانت البدايات بقسم دراسات التلوث، في إدارة تخطيط البيئة وحضورها المؤتمر الرابع لمنظمة المدن العربية في بغداد عام 1974 وعملها في مجلس التخطيط كمديرة إدارة تخطيط البيئة وشهادتها حول اللجنة العليا للمخطط الهيكلي واللجنة العليا لحماية البيئة البحرية وتنمية السواحل والذي عقد في أبريل 1978، والأهم من كل ذلك، كيف نشأت المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية واتخذت من الكويت مقراً لها ودور د. عبدالرحمن العوضي في تعزيز أهمية القضايا البيئية وإسهامات د. مصطفى طلبة وخبرة د. بدرية العوضي وكذلك المهمات الاستشارية التي قام بها برنامج الأمم المتحدة.
قد يكون التخطيط إحدى الواجهات التي أطلت منها نعيمة الشايجي، فهي من رافق مسيرة التخطيط وكانت إحدى الرائدات في هذا الحقل ومن الأوائل الذين أعطوا وبنوا وأسسوا اللبنات الأولى في هذا المضمار.
عنصر التشويق في الكتاب يكمن في أن مطالعة أي فصل من الفصول الثمانية، يعطيك خلفية تاريخية عنه والأسماء التي كانت لها الدور بذلك والمراحل التي شهدها، وكأنك تطالع فيلماً وثائقياً بالعين عن تلك المرحلة.
مناصب دولية
رسمت الشايجي خطا مستقيما لمسيرتها عبر توثيق وتدوين تاريخ المؤسسات الدولية التي عملت فيها، فمثلاً ستجد في الفصل الرابع قصة الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والمنظمات ذات العلاقة، فتتدرج بالحديث عنها وعن أهدافها وصلاحياتها والآليات التي تعمل بها ومرافقتها للأنشطة والمؤتمرات والحوارات التي شاركت بها، فهي تتحدث من داخل تلك المنظمات أي أن الراوي هنا، شريك بصنع القرار وملم تماماً بالأدوات التي تحكمه، وتخال نفسك في لحظات أنك تقرأ رواية، وتستمع إلى واحدة من “بنات الصندوق”، أي من أهل البيت وأكثرهم اطلاعا وخبرة ومعرفة.
عضويتها في معاهد (إيكاردا – أسنار – إيمي) علمتها الكثير عن التنمية الزراعية وجوانب أخرى أصبحت مكملة للجوانب التي تعلمتها بحكم وظيفتها كمديرة للعلاقات الخارجية في الصندوق الدولي للتنمية الزراعية وكذلك كمديرة عامة للإدارة العامة لشؤون التعاون الفني بوزارة التخطيط بالكويت.
بين قضايا المرأة والاحتلال
ومن شؤون وقضايا المرأة الكويتية إلى الإطار الدولي، كانت نعيمة الشايجي تتحدث من “قلب الحدث” تروي وتدون ما كانت شاهدة عليه، من القمة وإلى مستويات الإدارات التنفيذية وفي الميدان وعلى الأرض.
دورها كمواطنة كويتية تعرض وطنها للاحتلال على يد النظام العراقي يمكن تتبعه والأعمال التطوعية التي قامت بها وهي خارج الكويت، من البحرين إلى لجنة الإعاشة في بريطانيا واحتلال منزلها وأسرتها من قبل الجيش العراقي، واتخاذه كمقر للقيادة العسكرية المحتلة، ثم تعرضه للتخريب وسرقة محتوياته، نظرا لموقعه الإستراتيجي من الناحية العسكرية في منطقة كيفان.
روت جملة أحداث في الفصل الأخير من الكتاب، رأت ضرورة تسجيلها لما تحمله من دلالات ومعان إنسانية أفصحت عن بعضها، فضلاً عن مناصب لم تأخذ حقها منها، ومواقف لا تمحى من الذاكرة.
أول خليجية تعين في منصب دبلوماسي بالأمم المتحدة
أول مَن ترشحت لعضوية المجلس البلدي
أول كويتية تُرشَّح لمنصب وكيل وزارة مساع