خلو سدة الرئاسة حتمي، وولادة الحكومة غير محسومة، والمرحلة القادمة فوضى وانهيار شامل
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

المُغرد –

عندما سُئل الرئيس نجيب ميقاتي منذ مدّة عن الحكومة، أجاب: “الحكومة ماشية لكن مجلس الوزراء مش ماشي” وهذا يعني أنّه يُفرّق بين الحكومة ومجلس الوزراء.

أما في مواد الدستور التي نجد فيها إشكاليات عديدة، فهناك استعمال لمصطلحي؛ “الحكومة”، و “مجلس الوزراء”، ومن الطبيعي أن المشرّع أراد التفرقة بين التسميتين، ومن المستغرب أن لا ينتبه إلى ذلك بعض رجال القانون والسياسة في لبنان.

فالدستور في أكثر من مادة، يُثير الالتباس والخلط بين التسميتين. فمثلاً في المادة ٥٣ عن صلاحيات رئيس الجمهورية: “يُصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة”

وجاء في المادة ٦٤ : “رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة”

وفي المادة ٦٥: “يجتمع مجلس الوزراء دورياً … ويترأس رئيس الجمهورية جلساته عندما يحضر، ويكون النصاب القانوني لانعقاده أكثرية ثلثي أعضائه.. ويتخذ قراراته بأكثرية الحضور. أما المواضيع الأساسية فتحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة، المحدد في مرسوم تشكيلها” .

ونصت المادة٦٢: “في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء”

يتضح من هذه النصوص أن “مجلس الوزراء” هو فقط حالة تكون فيها الحكومة منعقدة في جلسة، ولهذا السبب سُمّي “مجلس وزراء” ولا يُشترط لانعقاده حضور جميع الوزراء في الحكومة، بل اكتفى الدستور بحضور ثلثي الأعضاء، الذين تتألف منهم الحكومة.

والسبب في نقل صلاحيات رئيس الجمهورية، في حال خلو سدة الرئاسة، إلى مجلس الوزراء وليس إلى الحكومة، هو فرض توافر الميثاقية في تولي صلاحيات رئيس الجمهورية، وتجنّب لجوء الحكومة إلى ممارسة هذه الصلاحيات (الموكلة إليها في حالة ضرورة قسرية)، عبر اجتماعات وزارية محدودة العدد، أو عبر مراسيم جوّالة.

وفق نص المادة ٦٤ : “لا تمارس الحكومة أعمالها، قبل نيلها الثقة، أو بعد استقالتها، أو اعتبارها مستقيلة، إِلَّا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”

واستناداً إلى هذا النص، رفض رؤساء الحكومات دعوة حكومة تصريف الأعمال إلى عقد جلسة، مما يعني أنّه لا يوجد مجلس وزراء، في حالة حكومة تصريف الأعمال.

صحيح أن الدستور لم يستثنِ حكومة تصريف الأعمال، عندما نص على نقل صلاحيات رئيس الجمهورية، في حال خلو سدة الرئاسة، وكالةً إلى مجلس الوزراء. لكن عملياً إذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال، يرفض دعوتها الى الاجتماع، ولا يمكن عقد جلسة لمجلس الوزراء، فهذا يعني أن انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الحكومة سيكون نظرياً فقط كونه لا انعقاد لمجلس الوزراء الذي له وحده الحق بممارسة صلاحيات الرئيس.

والسؤال طبعاً كيف ستتولى حكومة تصريف الأعمال، صلاحيات رئيس الجمهورية، دون عقد جلسات لمجلس الوزراء ؟؟؟

الإشكالية الثانية هي: هل يُمكن اعتبار مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية، بأنها من الأمور التي تندرج ضمن النطاق الضيق لتصريف الأعمال، كي تقوم بها حكومة تصريف أعمال ؟؟؟

فهل حل المجلس النيابي مثلاً أو إصدار المراسيم والقوانين، هي من ضمن تصريف الاعمال؟؟ وما هي الصلاحيات الرئاسية التي تدخل ضمن تصريف الأعمال؟؟؟

 

لكل هذه الأسباب استشعر الجميع خطورة خلو سدة الرئاسة بعد ٣١ تشرين الأول المقبل، حيث أن الدستور واضح، فلا يمكن لرئيس الجمهورية البقاء في منصبه، كما أن حكومة تصريف الأعمال ستكون عاجزة عن ممارسة صلاحياته، لرفضها عقد اجتماعات لمجلس الوزراء. ولذلك بدأ السعي الحثيث لإحياء الحكومة الحالية، ولو بإدخال تعديل طفيف عليها.

تجدر الإشارة طبعاً إلى أن الدستور لم يمنع حكومة تصريف الأعمال من عقد جلسات لمجلس الوزراء، وهذا فقط اجتهاد من بعض رجال القانون، ورؤساء الحكومات والسياسيين. ولكن هذا برأي عدد من فقهاء الدستور (وأنا أوافق على هذا الرأي)، لا يمنع انعقاد حكومة تصريف الأعمال في حالة الضرورة، لأن استمرار الحكم وإدارة المرفق العام، هو مبدأ أساسي وجوهري، ولذلك يجب على رئيس حكومة تصريف الأعمال، أن يدعو إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء في تلك الحالات، ويمكن اعتبار خلو سدة رئاسة الجمهورية، هي حالة ضرورة، وعندها يمكن لحكومة تصريف الأعمال أن تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، عبر مجلس الوزراء، ولو في حدود النطاق الضيق لمفهوم تصريف الاعمال، وإدارة شؤون الدولة.

يتعاطى جميع المسؤولين السياسيين اللبنانيين مع استحقاق رئاسة الجمهورية، وكأن خلوّها بات أمراً محسوماً، وهم بذلك طبعاً يخالفون الدستور، الذي حدد شروط وطريقة انتخاب رئيس للجمهورية، ولا يوجد أي سبب لدى أي طرف لتعطيل جلسات انتخاب الرئيس، ومخالفة احكام الدستور.

أما عن أسباب هذا التعطيل، فهي كثيرة : أولوها تأخُّر الاتفاقات الدولية في المنطقة، وتأجيل التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية النصفية لأعضاء الكونغرس، المقرر إجراؤها في ٨ تشرين الثاني المقبل، والمتوقع أن يخسر فيها الحزب الديمقراطي (حزب الرئيس الحالي جو بايدن) عدداً من المقاعد لصالح الجمهوريين.

وثانياً الانشغال العالمي بالحرب في أوكرانيا وعدم وجود اهتمامٍ كافٍ وحراك دولي جدّي لحسم مسألة الرئاسة في لبنان.

أما داخلياً فبعض الأطراف يبدو أنّها تُفضّل تأجيل الاستحقاق إلى ما بعد خروج الرئيس عون من بعبدا، أو حتى إلى الأيام العشر الأخيرة من ولايته، للتخفيف من تأثيره هو وتياره في هذا الاستحقاق. كما أن بعض الفرقاء، يخشى اللعبة الديمقراطية، داخل المجلس، كون الأمور مفتوحة على شتّى الاحتمالات، مع وجود عدد لا بأس به من النواب الجدد، وخاصة النواب التغييرين، لذلك يريد هؤلاء الفرقاء حسم الأمر، والاتفاق على اسم الرئيس، قبل الذهاب إلى جلسة الانتخاب.

في المُحصّلة لا شيء مُشجّع حتى الآن، وحتى الكلام عن قرب ولادة الحكومة ما زال غير محسوم، فالتيار الوطني الحر اعتبر أن هذه الحكومة غير ميثاقية، فكيف سيقبل بإعادة تعويمها، دون الحصول على مطالبه في التشكيلة الجديدة؟؟؟

خيار الفراغ ما زال هو الأرجح حتى الآن، وقد تدخل البلاد في مأزق كبير، فلا رئيس جديد، ولا حكومة فاعلة، وبانتظار التسويات الكبرى، وانتهاء الحرب في أوكرانيا، قد يدفع شعب لبنان ثمناً باهضاً، وحتى الربيع المقبل، قد نكون في دوامة الفوضى والانهيار الشامل والمستمر.

زر الذهاب إلى الأعلى