خياراتنا.. وأميركا
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

انسحبت أميركا بارتباك واضح من أفغانستان، وأعطى ذلك المجال لأعدائها، وبعضهم منا وفينا، للتشنيع بها والسخرية منها، مفسرين الأمر وكأنه انتصار لـ«طالبان»، غير مدركين أن أفغانستان وشعبها هم الخاسرون، فسيبقون للأبد، وهذا ما لا نتمناه، على تخلفهم وفقرهم وجهلهم، وستربح أميركا أموالها وتنقذ أرواح جنودها؟

كان مدعاة للرثاء تسابق أصحاب الأجندات الخربة، من أمثال «بطل كنكون»، وسفير أفغانستان غير المعين، وغيره لإبداء عميق فرحتهم بـ«هزيمة» الأميركيين، مقدمين التهاني للحركة بالنصر العظيم الذي حققته على أكبر قوة في العالم، غير مدركين أبعاد ذلك النصر القاتل!!

كما لم يتأخر غيرهم من «المحللين السياسيين» من استعادة أقوال رؤساء عرب، قالوها مع انتهاء صلاحياتهم، بأن من يتغطى بـ«الأميركيين سيبات عاريا»، وهذا غير صحيح، فالكثير من الشواهد تقول عكس ذلك، بالرغم من حق أية دولة تغيير خياراتها متى وجدت أن ذلك في مصلحتها. ومن مصلحتنا في الكويت «إبقاء» رهاننا على أميركا ليس إعجابا بها أو هياما بمُثلها، بل لأن أمننا الوطني ومصلحتنا يتطلبان ذلك. وعلينا عدم الالتفات لما يحاول البعض ترويجه من ضرورة التفكير بالركون لدولة أخرى، والتحالف مع تركيا مثلا بدلا من أميركا، فهذه مطالب سخيفة لا تستحق حتى التفكير فيها، فليس من مصلحتنا أبدا فك ارتباطنا بالولايات المتحدة الأميركية. فعلاقاتنا معها مميزة وهي وراء الشعور بالاطمئنان الذي ننعم به، وليس غريبا أن غالبية من يطالبوننا بفك تحالفنا مع الأميركيين يدينون بالولاء أو ينتمون لدول فاشلة أصلا، وصراخ هذه الدول، وهي تعلن عداءها لما تمثله أميركا والغرب من مثل وقيم وأفكار لا يعني أنها على حق، أو أنها ترفض التبعية لها، فهي تصرح بشيء وتفعل عكسه، وتستميت للحصول على «الفتات» منها، فهي دول منافقة، ولا يجب الإنصات لضجيجها.

تدين الكويت بالعرفان للولايات المتحدة، ودورها في تحريرها من الاحتلال العراقي عام 1991 وهذا أمر معروف، ولا يعني التفريط بكل سيادتنا، فحتى اليوم لا تزال الكويت مصرة على رفض الاعتراف بإسرائيل أو إقامة أية علاقة معها، بالرغم من أهمية ذلك لأميركا، وليس في الأمر جحود، علما بأن لإسرائيل فضلا، غير مباشر، على الكويت عندما رفضت الوقوع في فخ صدام، ودخول الحرب ضده أثناء حرب التحرير، بعدما أطلق صدام صواريخه الغبية عليها، فكظمت غيظها كيلا تخلط الأوراق وتفتح جبهات حرب في المنطقة.

العلاقات بين الدول تحكمها المصالح، وللولايات المتحدة مصالح في منطقتنا، ولنا مصالح كبرى في وجودها بيننا، ولا هي ولا نحن سنقبل السماح بالإضرار بهذه المصالح، وهذا يتطلب من الطرفين تحصينها وحمايتها، فمتى ما انتفت المصلحة غابت الحماية، وسنكون حينها الأكثر تضررا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى