ما مدى استقرار حكومة «طالبان»؟
النشرة الدولية –
سبكتاتور – ديفيد لوين –
حملت الحكومات ووسائل الإعلام الغربية أمنيات جماعية حول حركة “طالبان” في الأشهر الأخيرة، ففضّلت اعتبارها “معتدلة” بدرجة معينة وتوقعت أن تشكّل حكومة شاملة، فقد بدأت هذه الفكرة تنتشر مع تحوّل هذه الحركة إلى شريكة في المفاوضات مع الولايات المتحدة في الدوحة، هكذا اكتسبت “طالبان” الشرعية وظن البعض أنها تغيرت.
لكن انهارت آخر بقايا هذه الفكرة على الأرجح بعد تشكيل حكومة “طالبان” هذا الأسبوع، لا تبدو هذه الحكومة شاملة بأي شكل، بل إنها تنجم عن تبادلات متواصلة بين مختلف فصائل “طالبان” طوال ثلاثة أسابيع، ولم تُعالَج المشاكل بينها إلا بعد تدخّل رئيس الاستخبارات الباكستاني، اللواء فايز حميد.
يواجه أكثر من نصف أعضاء الحكومة الجديدة عقوبات دولية لأنهم متّهمون بالإرهاب، وتشمل هذه القائمة أربعة رجال من أصل خمسة أُطلِق سراحهم من معتقل غوانتانامو خلال صفقة لتبادل الأسرى في عام 2014، وينتمي أربعة أعضاء آخرين إلى عائلة حقاني، علماً أن الشبكة الإرهابية التابعة لها كانت مسؤولة عن أكبر اعتداءات شهدتها كابول في السنوات الأخيرة.
يمكن رصد تأثير باكستان على تشكيل حكومة “طالبان” في عدد من التعيينات، لا سيما تخفيض رتبة المُلا عبدالغني برادر ومنحه صفة نائب رئيس الوزراء.
لكنّ التسويات التي مهدت لنشوء الحكومة تزعزع استقرار إدارة “طالبان” بكل وضوح، إذ تملك الحركة أقل من 100 ألف مقاتل، وهذا العدد لا يكفي لنشر الأمن في أنحاء البلد بعد استسلام الشرطة، فمن أصل 33 منصباً وزارياً، ثمة وجود رمزي لوزيرَين من الطاجيك ووزير أوزبكي واحد، وفي المقابل، خُصّصت جميع المناصب الأخرى لمجموعة البشتون، أكبر قبيلة في أفغانستان، وكان غياب أي مشاركة من جماعة الهزارة التي زادت قوتها وثروتها في السنوات الأخرى حدثاً بارزاً، يجاهر أعضاء هذه الجماعة بطائفتهم الشيعية ولطالما اضطهدتهم حركة “طالبان” في الماضي.
على صعيد آخر، يأتي ثمانية وزراء فقط من الشمال، في حين يتحدر العدد المتبقي من أكبر منطقتَين قبليتَين تتركز فيهما مجموعة البشتون، 15 منهم من الشرق و10 من الجنوب، لكنّ حجم الدور الذي سيؤديه المنتمون إلى شبكة “حقاني” حَصَر تأثير الجماعات القبلية الشرقية الأخرى التي تتمتع بنفوذ أقوى تقليدياً، وينتمي القادمون من الجنوب، لا سيما قندهار وهلمند، إلى قبائل تُعتبر من الأقليات في البلد، كذلك، استُبعِد معظم العناصر الذين خاضوا الحرب، بما في ذلك شبكة “منصور” التي سُمّيت تيمناً بالزعيم الذي قُتِل بضربة أميركية في عام 2016.
تبدو تركيبة حكومة “طالبان” غير مستقرة في جوهرها، حتى بالنسبة إلى معايير الحركة بحد ذاتها، ففي الوقت نفسه، تثبت “طالبان” أنها لا تعرف طبيعة التحولات التي شهدها المجتمع في أفغانستان. لم تفكر “طالبان” في أي لحظة بجعل حكومتها “شاملة”، ولم تكن تنوي إعطاء أي دور لشخصيات بارزة من الإدارات السابقة، بمن في ذلك الرئيس الأسبق حامد كرزاي وعبدالله عبدالله اللذان بقيا في كابول ودعما حكومة أكثر تنوعاً.
لكن يبقى غياب النساء الأكثر وضوحاً في هذه الحكومة، فقد كان وجود المرأة في أدوار قيادية في أنحاء المجتمع الأفغاني واكتسابها المؤهلات اللازمة للقيام بمهام مختلفة جزءاً من أهم التغيرات الاجتماعية التي شهدها البلد في آخر عشرين سنة، لكن لم يعترف المتحدث باسم “طالبان” بأهمية هذا التطور، بل إنه حصر دور المرأة في المنزل وأعطاها بعض الأدوار في مجال الصحة والتعليم.
يعني الفشل في تشكيل حكومة شاملة أن “طالبان” ستضطر لحُكم البلد بالقوة لأنها لا تحظى بإجماع واسع، وستصبح شجاعة الجماعات التي تتظاهر في الشوارع بشكلٍ شبه يومي منذ وصول “طالبان” إلى السلطة تحت الاختبار الآن وقد منعت الحركة تنظيم أي تظاهرات أخرى.