مظلات الجهل تحمل خبراء في الرياضة والثقافة
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
تتداخل المصطلحات حتى بدا التوهان ظاهراً للعيان في شتى مستويات المجتمع، لنصبح غير قادرين على التفريق بين الغث والسليم إلا بصعوبة بالغة كون من يقومون بالترويج للأدب والثقافة والفنون والرياضة ناشزوا التوجهات والرؤيا، ففي تلك الغرفة المُظلمة يتحدث عن الإعلام من لم يكتب في حياته خبر، وقفز من فوق الأسوار حتى أصبح خبير إعلامي بلا خبرة، ومن يصفقون له أو لها ويتعاملون معهما كشعراء مبدعين يفتقدون في الحقيقة لمعرفة أسس اللغة، ومن يتم الترويج لهم على أنهم خبراء في المجتمع والأمان المجتمعي لا يعرفون أسس بناء المجتمع والنهوض به، لنقف ونفكر ونتساءل، من يمنح هؤلاء هذه الألقاب الضخمة الفضفاضة ويصنفهم على أنهم ناشروا للثقافة الإيجابية رغم أن ما يقولونه يتعارض مع مباديء وقيم الحياة.؟
أصبحنا نهرب من مواقع الثقافة والرياضة والفنون في ظل المشاهدات السلبية، فتلك الجميلة الأنيقة اكتشفت فجأة ودون مقدمات انها شاعرة ملهمة، لذا فقد نشرت عدة دواووين من الشعر لم يقرئها أحد رغم جمال الورق وروعة التصميم، مما أثار المتنبي فقفز من قبره منشداً “كفي بك داء أن ترى الموت شافيا.. وحسب المنايا أن يكن أمانيا” ، وتلك الباحثة عن عودة الحياة ولا تعرف بناء الرواية تحولت إلى مؤلفة تجيد سرد حكايات جدتي، ويصفق لها الحضور دون سبب معلوم ، لتنشر مؤلفاتها في كل مكان وعلى قمم الجبال، لكن الطير لا تأكل منها ولا تقترب لحدودها كونها خالية من الفكر، ما جعل توفيق الحكيم يخرج من قبره مذعوراً باكياً على مستقبل الأدب ليقول:” لقد انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم”.
لقد ساهم نشوز الأدب والثقافة في ظهور شخصيات غريبة الأطوار تبحث عن لقب في أي مكان وتحت أي سماء، فهذا الجالس في الركن المُضيء يطلقون عليه الخبير، وهنا يُصاب اللسان بشلل مؤقت ونصمت لأننا لا نعرف نوع خبرته، وذاك الآخر يلقب بالمتنبي وما بين الأصل والصورة ما بين السماء والأرض، وتلك يصفونها بالخنساء لكنها بلا صخر ترثيه، وذاك محمود درويش لكنه نسى أن يرتحل مع العابرون في كلام عابر، وهناك في الظل يجلس شاعر البندقية رغم أنه لم يُطلق رصاصة في حياته بل يرتجف حين يسمع صوت البارود، أما شاعرا الحب والغزل فقد تنقلا في حياتهما من بؤس لبؤس كون العشق لم يلامس قلبيهما، وبين الجميع يتنقل المستشارون بكبرياء رافعي الهامة كأنهم طواويس مزهوين فخورين بأنفسهم، لكن للحقيقة لا نعرف بماذا نستشيرهم لأننا لا نعرف تخصصهم ومن منحهم هذا اللقب.
أما ذاك الرجل فهو خبير ومستشار ومحلل في الرياضة رغم أنه لم يمارس أي نوع من أنواعها، ولم يرتدي الملابس الرياضية إلا حين النوم كونها تحولت ل”بيجامه” وحين تسلم منصبه، وذاك يقوم بالتنظير على المشاهدين بعلم لم يقترب منه، فيما القادم بمظلات الواسطة يعتقد أنه ملهم وأن شيطان الرياضة “وهو قرين لشيطان الشعر” سيحوله إلى محاضر ومبدع ومدرب وحكم وإداري ولاعب، فيما يجلس الكهل في زاوية الحياة يروي بطولاته التي لم نشاهدها فما أكذب من رجل ماتت أقرانه، لتصبح الإدارة الرياضة والتحليل مهنة من لا مهنة له، وطريق للشهرة المجانية لغرباء عنها قفزوا عليها في محطات “الترانزيت”، وربما دفعوا ثمن تذكرة العبور من خلال علاقات مشبوهة.!!
وتكتمل صورة النشوز الفكري حين يُصاب هؤلاء بلعنة الأنا الكبيرة والإنتقال لمرحلة المرض النفسي، فيقدمون أنفسهم بألقاب يرتعب أمامها أنشتاين وأحمد شوقي وطه حسين ومورينيو وزين الدين زيدان، بل يصمت أمام عظمتها صلاح الدين، فالألقاب توزع بالمجان وكل يُطلق على نفسه ما يُريد، كون مُريديهم يصدقون كل ما يسمعون فيشبعون فضول الباحثين عن المجد المجاني، وهنا نجد أن الثقافة تغيرت وتحورت كفايروس كورونا، فيما الرياضة تبدلت حتى أصبح الغرباء عنها هم أهلها، ليفتكوا بالمجتمع بقسوة حيث لا وجود لمطعوم لهذا الوباء إلا بزيادة المعرفة، ونبذ المتسلقين على أفكار الآخرين معتقدين أنهم خبراء فيما هم أصلاً صُناع البلاء.