نجوى نجمة مزيج من جامعة صباح وأسلوب سميرة توفيق

النشرة الدولية –

”برس بارتو” –  بقلم جهاد أيوب –

نجوى كرم: صوتها (alto)…صوتها التو، وهي نجمة لا يستهان بها أحببتها أو لا، انتقدتها أو تعصبت لها، هي حاملة لواء الأغنية اللبنانية وبجدارة، وبمسؤولية ولا يوجد من يجاريها كأنها الوحيدة مع أن الواجب يفرض عكس ذلك، ولا يجرؤ غيرها على غمار هذه الهمة وهذه المهمة لكونها تطقن الموال وتعرفه جيداً، وتؤديه بمستوى امكانيات صوتها ومساحته، وهنا ننصح بتدريب نفسها، فالموال يتطلب النفس الاوسع!

تنشد نجوى التراث اللبناني إذا أرادت بحرية وبذكاء، وهي مزيج من جامعة الإسطورة صباح وأسلوب أميرة الغناء البدوي سميرة توفيق.

صوت نجوى قوي، يمتاز بنبرة حادة، وفيه بحة محببة، وقد تصدح هذه البحة كنغمة إذا عرفت استخدامها وتطويعها وليس تركها منفلتة كما يحصل في كثير من الأحيان خاصة في الغناء المفتوح، في السابق لم تكن تعرف كيفية استخدام صوتها من فمها فعولجت تلك المشكلة عبر ملاحظات نقاد ومتخصصين، وأصبحت تفتح فمها بمستوى الغناء عكس ما كانت عليه في بداياتها، وهذا أمر طبيعي يحدث مع الغالبية!

وأحياناً نجوى لا تعرف استخدام صوتها على المسرح، أي الغناء المباشر، وبالتحديد إذا تعمدت الغناء على طبقة عالية، فيخرج بأداء جهوري مزعج، وهذا الكلام لا يقلل من قيمة صوت نجوى، ولكن يحملها مسؤولية في اكتشافه أكثر، والتنبه له ولحضورها، وصنع طرق جديدة في توضيبه وتلميعه وإظهاره بأفضل حالاته، فهنالك طبقات منخفضة ناعمة لم تستخدمها نجوى إضافة لطبقات متوسطة، وفرض عضلات الصوت لا يعني أهمية الغناء والصوت، وقد يخدش السمع ويضر بصاحبه، المهم إيصال الصوت النغمة بإحساس صافي وصادق وناعم دون تصنع، ونجوى تمتلك مساحة في صوتها تفرض عليها الغناء الهادئ واكتشاف ما ذكرناه، وخطأ ما تقوم به على المسرح في كثير من فقراتها حيث تستخدم عضلات صوتها بطريقة حادة، علماً صوتها اليوم ليس كما الأمس، والتعب أصبح واضحاُ فيه!

▪ مشاكل الصوت

في حفلاتها الأخيرة ظهر صوت نجوى متعباً، ويفتقد لكثير من لمعانه القديم، ولم يعد مطواعاً، وكأنه شاخ باكراً، أو أن العمر لعب في ملعبه، وهنا يتطلب من نجوى وقفة تأمل، وتصالح مع صوتها في هذه المرحلة، وأن تسأل أهل الخبرة، وأساتذة الصوت والأداء، والأهم التدريب معهم يومياً، وهذا ليس عيباً فغالبية المطربين في الغرب مع كبر السن، والغناء المتواصل لديهم أساتذة يستشرونهم ويدربونهم على كيفية التصالح مع الصوت، وكيفية الغناء بعد العمر والتجربة.

كما لكل مرحلة طريقة في استخدام الصوت والغناء…نأمل أن تقتنع نجوى بذلك حتى لا تخسر المزيد من صوتها، وعليها أن تعلم أن الساحة بحاجة إليها، وأن بمقدورها التجديد والتطوير بالأداء ” الأداء من الذكاء”، والاختبار المجدد في جديد يحسب لها لا يكون عليها، ولا يرميها بالتكرار، والتكرار يصيب بالملل!

يعيق استمرارية نجوى قيود التعامل، والبحث عن الجديد في النص واللحن والعمل الغنائي ككل، ربما لو خففت نجوى من حساسية التعامل مع الملحنين بعيداً عن قيود التواصل، وانفتحت على الأكثرية الطامحة لتقديم ما يزيد من بريق حضورها لكانت النتيجة مدروسة أكثر ومتفوقة وحاضرة، وباعتقادي على نجوى اليوم، وبعد هذه المسيرة، والنجاح الذي حققته أن تقوم بخطوات جديدة ومختلفة عن خطها وأسلوبها، وتقتحم ما تخافه في أفاق صوتها ونوع ما تغنيه، وبذلك ستجد فرص تنتظرها، وقد تترك لها بصمة وبالتحديد في الغناء الدرامي والاستعراضي والكلاسيكي بعيداً عن غناء العنتريات وما شابه، واصرارها على الغناء الحاد!

وحالياً، وهي في هذا العمر لا يتطلب من نجوى الغناء على الطبقات العالية حيث تصلنا من خلال متابعتنا لها مؤخراً كما لو كانت تصرخ، وقد يختفي صوتها على المسرح مما يسبب لها الاحراج، ويتعب فوراً، لذلك انصحها أن تهمس، وتغني بنعومة وبهدوء، وحسب ما يطاوعها صوتها والحالة التي هي فيها.

▪الخط

نجوى خط يُحترم، وتعاملت مع اسمها بعيداً عن الشوشرة، والزكزكات الصبيانية، ولا بد أن نعطيها حقها في هذا المجال، كما أنها هي الوحيدة من أبناء جيلها وما تلاه تلفظ الكلمات والمفردات اللبنانية بطريقة صحيحة، والباقيات لا يعرفن اللفظ حتى عند بعض الذكور ممن يمتلكون الصوت الجهوري والقوي، وهذا يحسب لها، ولو حاولت اقتحام مواضيع غنائية جديدة فيها رومانسيات، وأشعار صوفية، واجتماعية، ووجدانية لخدمت خطها ومسيرتها بشكل اشمل وأوسع وأبقى!

استطاعت نجوى أن تخلق جواً خاصاً بها قريب إلى البداوة على الطريقة اللبنانية، وأحياناً قريب إلى التراث اللبناني على طريقة البادية، وإن ركزت في بعض المرات على الأغنية اللبنانية شكلاً ومضموناً تجدها تتألق، ولكنها ميالة إلى المزج بين البادية واللبناني، ونلفت نظر من سيقرأ بأن ليس كل من غنى بلهجة معينة يعني أنه يغني التراث، فالتوزيع واللحن وطريقة نطق المفردات كلها ترسم الخط البياني لطبيعة العمل الغنائي، ونحن نحترم جهود نجوى في أن تغني الكلمة اللبنانية، وهذا من حقها وذوقها، ولكن للأغنية اللبنانية أو الخليجية أو المصرية خصوصية، وحينما نستوعب هذه الخصوصية نغرد ونبدع ونتفرد، وباستطاعة نجوى تحقيق ذلك!

وكما لا يغيب عن نجوى إن لديها شريحة كبيرة من الجمهور العربي، وهذه نقطة تصب في صالح نجوى إن وسعت دائرة الغناء بعيداً عن اللهجة اللبنانية ما دامت تمتلك الروح اللبنانية!

▪ المطبلون

هي مديرة أعمالها، لا تقبل إلا رأيها، ومن حولها مجموعة مطبلين لا يستطيعون تقديم الرأي والنصيحة، بل يهمسون لها بشكل دائم :”كل ما تقومين به رائع، ولا يناقش”، وهنا المشكلة التي تجعل النجم يكرر خطواته، ويقف مكانه مهما كان لديه حفلات هنا وهناك، لا بل قد تنجح له أغنية، ولكنها لن تستمر، وكل ما يغنى يصل بإسلوب وأداء موحد فتتوه الجهود وتغيب الشمس عن الأغنية الجميلة بمجرد تقديم أغنية جديدة!!

تنتقي نجوى أغانيها بصعوبة مزعجة أحياناً، ولكن يتحملها من تعامل معها من الشعراء والملحنين لأنهم يؤمنون بصوتها وبنجاح ما ستقدمه حتى لو لم يستمر هذا النجاح طويلاً، يتحملون مزاجيتها في الاختيار لفقدان المنافسة والفرص في ساحة أصبحت شبه خالية من الأصوات الجيدة، ونجوى من الأصوات الجيدة، ولكن!

ورغم إنتاج نجوى الغنائي الغزير أي كانت في كل سنة تنتج 12 أغنية، نصل خلال عشر سنوات إلى 120  أغنية وربما أكثر، وهذا دليل على إنها استغلت شركة إنتاج “روتانا” التي كانت لا ترد لها أي طلب حتى الرمق الأخير، ولكن ورغم الكم الغنائي لم يعش في البال إلا اليسير مما يتذكره الناس، لذلك هي مطالبة بتوسيع دائرة اختياراتها والمغامرة مع ملحنين وشعراء جدد، وإذا كانت خائفة من الأسماء الكبيرة تستطيع أن تتعامل مع أسماء مغمورة شابة يتمنون رضاها، ونأمل أن لا يكون صحيحاً ما يشاع حول أنها وصلت إلى مرحلة أصبحت فيها تكتب الشعر وتلحن أغنياتها، وهذا بالتأكيد سيضر باستمراريتها، وسيجعلها تتقوقع وتخفت إضاءتها الفنية، ونذكرها بأسماء كبيرة سبقتها، وللبخل والغرور أصبحت تلك الأسماء تلحن وتكتب الشعر وتغني حتى عجزت واختفت قبل الشيب، وانتهت من المنافسة، وأعتقد نجوى أذكى من ذلك، ولن تقع في هذا المهوار، ولن تقرر ما وقع فيه غيرها !

نجوى كرم صوت نطلبه في الغناء العربي، وشخصية تحمل الفن مسؤولية، ومع ذلك لا بد من نفضه غنائية، ودراسة واعية للأسلوب الغنائي، وتخطيط يختلف كلياً عما هي عليه نجوى اليوم حتى تترك بصمة وليس مجرد أغنية ناجحة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى