تعذيب توثقه التسجيلات.. انتهاكات “دون حساب” في شمال سوريا
النشرة الدولية –
الحرة –
قبل أسبوع اعتقل فصيل “لواء صقور الشمال”، التابع لتحالف “الجيش الوطني السوري”، الشاب حكمت خليل الدعار من منزله بمنطقة رأس العين في ريف الحسكة، ثم أعاده بعد أيام إلى عائلته جثة هامدة.
وبحسب تسجيل مصور حصل عليه موقع “الحرة”، بدت على جثة الضحية آثار تعذيب شديدة، وكدمات في مختلف أنحاء الرأس.
وكان الشاب قد وصل إلى منطقة رأس العين، التي تسيطر عليها الفصائل السورية المدعومة من تركيا، قبل أكثر من عام “هربا من قوات سوريا الديمقراطية” وفق ما يقول ابن عمه، ثامر أبو عمر، الذي يؤكد أن القتيل مدني وليس عسكريا، ولا تربطه صلات بأي جهة عسكرية.
وينحدر الدعار من بلدة الطيانة بريف محافظة دير الزور، وهو متزوج وأب لطفلين.
ويضيف قريبه لموقع “الحرة”: “سُلمت جثته لنا قبل يومين من جانب فصيل صقور الشمال، الذي قدم تقريرا للطب الشرعي يفيد بأن الوفاة سببها ارتفاع معدل السكر في الدم، لكن هناك تسجيلات وصور توثق تعرضه للتعذيب الشديد، والتهم ضده باطلة وكاذبة”.
وتعتبر رأس العين إحدى أبرز المدن المشكّلة لمنطقة “نبع السلام”، التي سيطرت عليها فصائل “الجيش الوطني” والجيش التركي أواخر عام 2019، وتنتشر فيها تشكيلات عسكرية عدة، تختلف مسمياتها، لكنها تتبع تنظيميا، وبشكل مباشر، لتحالف “الجيش الوطني”.
وتقول منظمات حقوقية إن المناطق التي يسيطر عليها ذلك التحالف تشهد تصاعد الانتهاكات التي تطال مدنيين، وبقدر محدود عسكريين أيضا.
وفي المقابل لا تصدر تعليقات واضحة بشأن ما يجري، وينعدم أي حساب جدّي حيال مرتكبي الانتهاكات، مما يؤدي إلى تفاقمها، بحسب تقارير.
“التهمة PKK“
قبل وصوله إلى رأس العين كان الدعار يعمل راعيا للأغنام، وفق ابن عمه الذي يشير إلى أن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) طلبته أمنيا بتهم تتعلق بارتباطات له في مناطق “الجيش الوطني”، مما اضطره لمغادرة المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، التي سيطرت لاحقا على ممتلكاته كافة (المنزل، الأغنام)، واعتقلت قريبا له للضغط عليه من أجل تسليم نفسه.
موقع “الحرة” تواصل مع قائد “لواء صقور الشمال”، حسن خيرية، الذي قدم رواية مختلفة: “الشخص (الدعار) رئيس خلية إرهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني PKK، تم اعتقال أفرادها الأيام الماضية”.
ويؤكد خيرية اعتقال الدعار، لكنه يضيف: “كان مريضا بمرض السكري وهذا سبب الوفاة، إذ ارتفعت نسبة السكر إلى حد 700.. لم نكن نعلم بمرضه، وعند إلقاء القبض على الخلية تشكلت لجنة من أبناء المنطقة اطلعت على مجريات التحقيق”.
أثبتت اللجنة، وفق خيرية، أن “عناصر الخلية ينتسبون لحزب PKK، وأنهم أيضا مسؤولون عن أكثر من 10 عمليات إرهابية برأس العين”.
وفي رده على التسجيلات المصورة التي توثق تعرض الشاب قبل وفاته للتعذيب الشديد، تابع قائد الفصيل المذكور: “هو عسكري وليس مدنيا، هناك تحقيق بالأمر، لكن سبب الوفاة ارتفاع معدل السكر بالدم”.
وتشهد مناطق سيطرة “الجيش الوطني” بين الفترة والأخرى تفجيرات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة، يقول التحالف المذكور إن “قسد” المتهمة بتبعيتها لـ”حزب العمال الكردستاني” تقف وراءها.
وأسفرت التفجيرات عن مقتل مدنيين خلال الأسابيع والأشهر الماضية، كان آخرها قبل أيام في مدينة رأس العين تحديدا.
لكن ثامر أبو عمر، ابن عم الضحية، يؤكد أن “التهم الموجهة لحكمت كاذبة، ويجب عليهم إبراز جميع تفاصيلها وعرض كامل مجريات التحقيق”.
بصورة متواترة
حادثة حكمت الدعار ليست الأولى من نوعها في مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة فصائل “الجيش الوطني”، وسبقتها أخرى مشابهة، كان آخرها قبل أسبوعين.
ففي العاشر من سبتمبر الحالي أظهرت مجموعة من الصور والمقاطع المصورة قيام عدد من العناصر يرتدون الزي العسكري بتعذيب مدني بطريقة وحشية، عبر ضربه بسَوط وعصا على كامل أنحاء جسده.
ووثقت المقاطع أيضا إقدام العناصر، الذين يتبعون لتشكيل ما يسمى بـ”صقور السنة – الفرقة 20″، على تعرية المدني بشكل كامل، وإجباره على الاعتذار لمن يقومون بتعذيبه، وترافق ذلك مع توجيه شتائم للضحية.
ونشرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرا، في ذلك الوقت، أكدت فيه الحادثة وقالت إن “آثار التعذيب وطريقة انتهاك حرمة المواطن تُذكرنا بممارسات مماثلة من قبل عناصر الشبيحة وقوات الأمن التابعة للنظام السوري”.
وأضافت الشبكة الحقوقية: “ندين جميع ممارسات الخطف والتعذيب التي يقوم بها مسلحون تابعون للجيش الوطني، والتي توسَّعت بشكل كبير منذ بداية العام الجاري، وبشكل خاص في ريف محافظة حلب الشمالي والشرقي”.
ويحظر القانون الدولي بشكل قاطع التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية وغير الإنسانية أو المذلة.
ويُعد انتهاك حظر التعذيب جريمة في القانون الجنائي الدولي، ويتحمل الأشخاص الذين أصدروا الأوامر بالتعذيب أو ساعدوا على حدوثه المسؤولية الجنائية عن مثل هذه الممارسات.
وقائع أخرى
وفي الوقت الذي سلّم فيه فصيل “صقور الشمال” جثة الشاب حكمت الدعار، كانت وقائع من نوع آخر تجري في منطقة عفرين في أقصى الريف الشمالي الغربي.
وذكرت مواقع سورية محلية، الأربعاء، أن عناصر من الفصيل المذكور اعتدوا على مدنيين في قرى ناحية بلبل بريف عفرين، ليتطور الأمر بعد ساعات إلى اشتباكات مع فصيل عسكري آخر يدعى “جيش النخبة”.
وقال مدنيون في قرية الشيخ خروز بناحية بلبل لموقع جريدة “عنب بلدي” إن عناصر “صقور الشمال” كانوا اعتدوا على مدني طالبوه سابقا بإخلاء منزل بحجة عودة أصحابه الأصليين.
كما تم الاعتداء على مدنيين آخرين قدموا إلى المكان، أُصيب اثنان منهم بشظايا نتيجة إطلاق “صقور الشمال” النار على الأرض، واعتقلوا أشخاصا في المكان بينهم عنصر في “جيش النخبة”.
ومنذ السيطرة عليها بموجب عملية “غصن الزيتون” لم تنقطع أخبار الانتهاكات والاعتقالات والاستيلاء على ممتلكات المدنيين في منطقة عفرين من قبل الفصائل المنضوية في “الجيش الوطني السوري”.
لكن الأخير نفى ذلك في أكثر من مرة، مؤكدا أنه شكّل لجنة “لرد المظالم”، مهمتها إعادة الأملاك المسلوبة لأصحابها، وكبح جماح الفصائل التي تقدم على الانتهاكات.
لا اعتبار للقانون
وتأخذ عملية التقاضي في مناطق سيطرة فصائل المعارضة بريف حلب الشمالي شكلا مختلفا، بسبب الظروف الاستثنائية التي فرضت على المشهد العسكري والسياسي للمنطقة بأكملها، رغم وجود أجهزة قضائية ومحاكم، تتبع “الحكومة السورية المؤقتة”.
وتشهد مناطق ريف حلب الشمالي حل عدد من المشكلات أو القضايا بين الأهالي أنفسهم، دون الرجوع إلى المحاكم، وهو ما ظهر جليا خلال الصراعات بين الفصائل العسكرية، حيث يجتمع وجهاء المنطقة وقادة الفصائل ويتم الاتفاق على “صيغ صلح”.
لكن هناك انتقادات كثيرة من قبل حقوقيين بشأن عمل المحاكم وجهاز القضاء في شمال سوريا، حيث يعتبرونه يعمل “تحت سطوة سلاح تلك الفصائل العسكرية”.
ويقول المحامي السوري، غزوان قرنفل: “بصرف النظر عن هوية الشخص وانتمائه ليس من موجبات الأمر أن يدفع حياته ثمنا لهذا الانتماء المفترض”.
ويضيف في حديث لموقع “الحرة”: “كان يمكن للجهة التي أوقفت الدعار إحالته إلى جهات التحقيق القضائية. من قال إن التعذيب أحد سبل التحقيق؟ لماذا يبقى في معتقلات الفصيل؟ ولماذا لم تقدم له الرعاية الصحية اللازمة؟ ولماذا لم تتم إحالته إلى المحكمة الموجودة في المنطقة التي تختص بالتحقيق”؟
ويشي ما سبق بأن القوى العسكرية في الشمال السوري “لا تقيم أي اعتبار للقانون وعمل المحاكم، بمختلف أنواعها”، على حد رأي قرنفل.
ويتابع: “أي تبرير آخر غير مقبول نهائيا. هناك طب شرعي يفصل في الوفاة، ويفترض أن يكون بحماية القضاء وبمنأى عن التعرض للضغوط من قبل الميليشيات العسكرية”.
وفي خطوة هي الأولى من نوعها فرضت الولايات المتحدة، في يونيو الماضي، عقوبات على فصيل “تجمع أحرار الشرقية” المنضوي في تحالف “الجيش الوطني السوري”، لمسؤوليته عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات خطف وتعذيب.
ويمثل فرض العقوبات الأولى “خطوة إلى الأمام في حماية حقوق الإنسان في شمال سوريا”، بحسب تقرير حديث لـ”المركز السوري للعدالة والمساءلة”.
واعتبر المركز، في أغسطس الماضي، أنه ينبغي على الولايات المتحدة “توسيع العقوبات، وفق ذلك، لتشمل الجماعات المسلحة الأخرى التي ترتكب الانتهاكات في المنطقة دون عقاب”.
وأضاف: “يجب على الولايات المتحدة استخدام ورقة الضغط هذه بشكل أكبر من خلال استهداف فصائل الجيش الوطني السوري، لا سيما تلك التي اتّهمها مسؤولو الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، مثل التعذيب والسلب والاعتقال التعسفي”.
ومن جانبه يؤكد قرنفل أن “عمليات الاعتقال في شمال سوريا تتم خارج نطاق القانون”، ويضيف “واضح أن عمليات التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة سياسية معتمدة وممنهجة، وهناك تجاهل تام للقانون والقضاء”.
كما تحدث المحامي السوري عن “قوائم عدة” يتم تجهيزها لرصد الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها القوى العسكرية في المنطقة، متوقعا أن يتم فرض عقوبات جديدة من قبل دول غربية.