ساذج من يعتقد أنّ صهاريج النفط الإيراني هي مساعدة للبنان

النشرة الدولية –

لبنان 24 – نوال الأشقر –

ساذج من يعتقد أنّ صهاريج النفط الإيراني والتي استبقت تأليف الحكومة، لا تعدو كونها مساعدة إيرانية للبنان من الناحيتين الإنسانيّة والإقتصادية، ليس فقط بسبب الإستعراض الذي رافقها ولا زال، وليس لأنّها تمنح حزب الله سطوة على القرار المالي في الدولة اللبنانية أو على الأقل شراكة فيه، وللمرة الأولى، وليس لأنّها تعرّض البلد لعقوبات، وتحصل خارج سلطة الدولة، وتحرمها من عائدات الجمرك، بل لأنّ أثمانها السياسيّة تفوق قدرة لبنان على تحمّلها، لاسيّما في هذه الظروف العصيبة من تاريخ البلد، وتعمّق الشرخ بينه وبين أخوانه من الدول العربية عمومًا والخليجية خصوصًا.

تسعى إيران لتثبيت نفوذها في المنطقة، ولا تترك وسيلة إلّا وتتسلّل من خلالها. في لبنان بدت الفرصة مؤاتية، حيث الشحّ في المحروقات تخطّى كلّ معقول، وبلغ حدّ حرمان المستشفيات من حاجتها من المازوت لتشغيل مولّداتها، اقتنص الحزب مشهدية طوابير الذلّ أمام محطات الوقود، واستقدم الوقود من إيران خارج نطاق الدولة، عبر صهاريج عبرت الحدود.

هذه المقاربة للوقود الإيراني وخرقه للسيادة، تعكس رأي أفرقاء سياسيين في البلد، عبّروا عنها في جلسة الثقة بشكل صارخ، بالمقابل لم تجد قوافل الصهاريج من يدافع عن “إنسانيتها” سوى نواب كتلة “الوفاء للمقاومة”، حتّى حلفاء الحزب اعتمدوا سياسة النأي بالنفس عن وقود إيران، حين هاجم عدد من النواب صهاريج النفط الإيراني، لم ينطقوا بكلمة دفاعيّة واحدة، بمن فيهم كتلتا “التنيمة والتحرير” و”لبنان القوي” وسائر حلفاء الحزب في الندوة البرلمانية، لا بل سارعت الأمانة العامة لمجلس النواب إلى إصدار بيان، نفت فيه ما تمّ تداوله عن إضاءة الجلسة بالمازوت الإيراني.

لبنان المنقسم حيال النفط الإيراني لم يقتصر على الندوة البرلمانية. على مواقع التواصل الإجتماعي، ينقضّ جمهور الحزب على كلّ صحافي أو سياسي أو أيّ مواطن آخر متسائل عن أهداف “للمساعدة” الإيرانية، ويطلق جيش المقاومة الإلكتروني حفلة شتائم وتخوين تجاه من لا يشاطرهم السرور البهجة والفرح العظيم بصهاريج النفط.

لكن ذلك لا يحجب شكوك عدد من اللبنانيين بخلفيات البواخر الإيرانية وأثمانها السياسية، لا بل يظهرّها أكثر فأكثر. في السياق تسأل مصادر مراقبة، لو كانت نوايا إيران إنسانية اقتصادية بحث، لماذا لم تلجأ إلى تزويد سوريا بالمحروقات وحلّ أزمة الوقود هناك، إذ يُحلّ عندها جزء كبير من مشكلة لبنان، كون نسبة كبيرة من المحروقات التي يدفع مصرف لبنان ثمنها بالعملة الصعبة من ودائع اللبنانيين، تُهرّب الى سوريا. تضيف المصادر “هذه الصهاريج اخترقت الآلية القانونية لاستيراد المحروقات، بحيث لم تدخل عبر منشآت النفط، وبالتالي من دون دفع أي جمرك، ومن دون رقابة على النوعية والتوزيع، علمًا أنّ نصف إيرادات الدولة تتأتّى من المحروقات. أعطى الحزب المهمة لشركة “الأمانة” التابعة له وبالتالي أدخل نفسه شريكًا في كارتيل النفط، خارج القوانين والأجهزة الرسمية الأنظمة المتبعة في لبنان”.

النقطة الأبعد من كلّ ذلك تُضيف المصادر، تكمن بطرح الحزب مشاركة شركة إيرانية في التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية. هنا بالذات بدأت تتبلور طروحات التوجه شرقًا التي نادى بها الأمين العام للحزب. في حينه فَهِم البعض الطرح بغير غاياته، وأعتقدوا أنّه يعني أنّ نستورد البضائع من الشرق، فكانت الردود أنّ لبنان يستودر من الصين بنسبة 4 مليار دولار سنويًا، ولكن فعليّا التوجه شرقًا يعني إدخال الكارتيلات الشرقية على الإقتصاد اللبناني الغربي بمعظمه. الجزء الأخطر في الوقود الإيراني يكمن في التعامل المالي خارج إطار الأجهزة الرسمية، وفي ظل ضبابية حيال طريقة الدفع، فإذا كانت العملية تتم بالليرة اللبنانية، ستخضع بنهاية المطاف إلى تبديل وتحويل. وبالتالي كل ذلك يحصل خارج نطاق الكونترول الرسمي”.

برأي المصادر، مجرد حصول هذه العملية، يعني أنّ قبة باط سمحت بتمريرها، خصوصًا أنّ النظام المالي العالمي يعمل ضمن آلية معروفة، إذ أنّ عملية تحويل فردية لمبلغ يصل إلى 10 الآف دولار تخضع للتدقيق، إذًا كيف يتمّ التعامل بمئات ملايين الدولارات، وكيف تُحوّل الأموال من الليرة إلى الدولار بالنهاية، وأين تحصل عملية التحويل هذه؟

تلفت المصادر في الوقت نفسه إلى أنّ هناك إمساكًا بدورة اقتصادية مالية، خارج نطاق المصرف المركزي وخارج نطاق السيطرة، تقدّر قيمتها بين 3 و 5 مليار دولار. أمّا في عملية التوزيع على مستشفيات وأفران ومختبرات، بدا لافتًا خلق هذا الإرتباط بالقطاعات الحيوية في البلد.

خلال دردشة لي مع رئيس تحرير أحد المواقع الإلكترونية طرح المعادلة التالية: سعر تنكة البنزين سوبر في محطات المحروقات في الكويت 6.5 دولار والمازوت 7.59 دولار، وفي الشركات تباع أرخص بدولارين، فلنأتي بالوقود من هناك دون أن ندفع جمرك للدولة، ولنبيع صفيحة المازوت بـ 120 ألف والبنزين بـ100 ألف، على الأقل بلا عقوبات وبلا إحراج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button