“مدام بنوت” لعبير العربي حيوات منغمسة بشهوة الحكمة

النشرة الدولية – يوسف طراد –

العاطفة شوق زاهر، ودموع لم تحبسها نساء مصر. فحياتهنّ مشرّعة للريح وصمتهنّ فقد الوجع. فوصفتهنّ عبير العربي في كتاب “مدام بنوت” بكلمات ارتوت من مآقيهنّ وتصميمهنّ.

عشر حكايات في كتاب، أبحرت خلالها المؤلّفة في مجاهل العلاقات، حيث لا طرب سوى لنبض القلب الصافي، والأنس انغماس الشهوة بالحكمة، والانتماء إلى الجسد الشهيّ رقصًا ورغبات.

خلال قصّة “بداية”، سافرت المرأة في مرآة تضج بالأمنيات، حيث سمعت “صوت قلبها يتعالى يريد أن يدق بين يد ذلك الرجل المستتر وراء زحام المخاوف…”

أمّا في قصّة “شلة مطلقات” لم تخجلن النساء من اهتزاز أنوثتهن أمام رجال يملكون قلوبًا متحجّرة. فتآلفت ملامحهنّ مع فصول الحياة، وسمت حيث مادت الأرض تشردًا تحت أقدامهنّ، ولم يخجلن من إعلان حكاية عمرهنّ من خلال مؤسسة راقية منتجة، أدارتْها امرأة باحت بمشكلتها: “كنت ضحية زوج ضعيف الشخصية أحببته بصدق وإخلاص فعاقبني بالطلاق الغيابي وفقًا لأوامر والده…”

نصل إلى قصّة “عريس على الهوا”، حين نقش الحبيب صلواته للسماء خاشعًا لصوت حبيبته عبر الأثير، استوطنت حواسه وأغوته نحو مشتهى الانعتاق من رجس السؤال عن رفضها له. فكان في ظلام عينيها شهوة إله وحكمة في داخلها. وكان حبّها له خلاص وأمان لم يجده في هذا العالم. ولم تكن إعاقتها سوى نورًا ساطعًا في مجاهل ظلمات الحياة، خلافًا لجميع المبصرين. يحضرنا هنا قول للأديب طه حسين: “بعينين مبصرتين يمكن أن يكون الإنسان كفيفًا”.

وها هي قصّة “البديل”، عندما غاصت الكاتبة في موجبات العقل السليم وجعله في الفكر السليم وما زالت بطلتها “تنتظر قلبًا قويًا رحيمًا لرجل حقيقي لا يدفعها يومًا إلى ما يسمى الرجل البديل”.

الأمان في ظلال الحبيبة المخلصة، ظهر في قصّة “جون في الجونة” وكان حقّها محفوظ مع حبيب لم تبهره مباهج الدنيا، كفحوى قصّة “البنت جابت الحق” حيث كان حق بطلة هذه القصّة حقيقة اختزلتها خلال المرافعات، وكانت سنوات الغياب عن انسبائها مجرد وهم عابر، بعدها توهجّت ملامحها وحواسها وعاد إليها حقّها الضائع.

نقشت الأم على وجه ابنتها الصحفية، ابتسامة كرجاء ودعاء، في قصّة “الحاجة ثريا ده تبقى ماما”، ولم تستخدم الكاتبة الكثير من خزعبلات العلاقات العامّة والخاصّة لجمع القلوب، فجدّها عاد من كلّ أسفار وحروب الأرض، إلى لمسات واختلاجات حبيبة طاهرة، أعادته إلى الحياة بصوابها التقيّ وفكرها الراقي.

بطلة قذفت لعنة على حظ عاثر، في قصّة “خليك بعيد”، فقد سرحت في البعيد الحائر الظالم، وعيناها تزرف الدموع كمطر في ضياء عيني أحبّاء، وتخشى التجول في تفاصيل غيابهم، لأنّ حياتها لن تزهر ربيعًا على أغصان حبيب حاضر، مع ارتحال الأحلام القديمة التي ما زالت حاضرة في الكيان.

“مدام بنوت”، القصّة الأخيرة والتي هي عنوان الكتاب، لم يجف خلالها الذوبان في فردوس الحياة الزوجية، رغم العجز الجنسي لبعلها. فقد ارتوى عطش شهدها الغافي إلى الأمومة ببنات زوجها، وتوقّف الزمن برهة عند عتبة حضورها الفاتن الذي أعطى المعنى الآخر للحكاية، خارج فصول الحياة الرتيبة.

عبير العربي، كاتبة تأنّقت كنورس، خارجًا من غيمة مطر، واكتشفت زبد الصباح مع نساء هبة النيل الذين كنّ مع الشمس، على موعدها شروقًا. فكان كتاب “مدام بنوت” أنشودة كنست أرق الليالي، ومسحت دموع المطلّقات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى