هل يقود رئيس الوزراء اللبناني خارج العزلة الدولية من بوابة باريس؟
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
مضى وقتٌ ليس بقليل، لم يرَ خلاله اللبنانيون مسؤولًا من بلادهم في أيّ من عواصم العالم. مشهديةُ رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي في الإليزيه، يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أتت لتفكَّ عزلة لبنان، بصرف النظر عن نتائج الزيارة من الناحية العملانية، لجهة الدعم الذي لا زال مشروطًا بأجندة الإصلاحات. فالزيارة قد تشكّل مدخلًا لدعمٍ دولي ينقذ البلاد من أسوأ الأزمات الإقتصادية على مستوى العالم، فيما لو أحسن الداخل اللبناني استثمار الدعم الفرنسي، خصوصًا القوى السياسية المشاركة في الحكومة.
لم يكن مستغربا أن يدشّن ميقاتي زياراته الخارجية من العاصمة الفرنسية، فحكومته تشكّلت بدفع فرنسي بالدرجة الأولى، واستقبال الإليزيه له بعد أربعة أيام على نيل حكومته ثقة البرلمان، تحمل دلالات على مواصلة الإهتمام الفرنسي بمساندة لبنان للتعافي من أزمته، على رغم الإحباط الفرنسي من الأداء السياسي اللبناني منذ نشوب الأزمة، وخلال مراحل تأليف الحكومة.
بميزان الواقعية يزن الدكتور خطار أبو دياب زيارة الإليزيه، وهو أستاذ محاضر في العلاقات السياسيّة الدوليّة في جامعة باريس ومدير مجلس الجيوبوليتيك “في الجانب اللبناني لدينا اليوم سلطة تنفيذية على رغم كلّ الملاحظات حول الحكومة، لكنّها أنهت مرحلة الفراغ، كما أنّ ميقاتي ببراغماتيته يجيد لعبة التوازنات، وهو الذي تولّى رئاسة الحكومة عام 2011 خلال فترة صعبة، وتمّكن من تأليف الحكومة اليوم في مهمّة عجز عن تنفيذها كلّ من السفير أديب والرئيس سعد الحريري، ونجح في إحداث انفتاح معهود عبر مدّ اليد لرئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر. وكل ما حُكي عن اتفاقيات دوليّة فيه مبالغة وتضخيم، بحيث طغى البعد الداخلي بموضوع التأليف. لكن وجود حكومة لا يعني أّن المخاطر في طريقها إلى الزوال، فزمن الهدايا المجانيّة للبنان ولّى، كما ولّى زمن التسوّل والودائع العربية والدولية، هناك خارطة طريق تحدّث عنها الفرنسيون في مسار الإصلاحات، يجب على الحكومة أن تلتزم بها، ليتمكّن الفرنسيون وشركاء في المجتمع الدولي من مساندة لبنان”.
أبو دياب وفي حديث لـ “لبنان 24” لفت إلى أنّ الفرنسيين، ومنذ العام 2018 أثبتوا حرصهم على عدم حصول انهيار في لبنان، ولكن الإنهيار وقع، واليوم يعملون وغيرهم لتفادي الإرتطام الكبير، من خلال تحسين الوضع بشكل تدريجي، في حال إلتزمت الحكومة بالمسار الإصلاحي. بالتالي لا خيار أمام الحكومة سوى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. لذا تكمن مهمتها بوضع خطّة للتعافي، وضمان التوافق حولها من قبل كلّ القوى المحلية تفاديًا لعرقلتها. وقد تمثلُ دول مثل فرنسا والولايات المتحدة الأميركية مفتاحًا إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. على سبيل المثال تعمل الولايات المتحدة على تسهيل حصول تونس على قرض من البنك الدولي، وفي حال بدأ لبنان مسارًا إصلاحيًا حقيقيًّا، يمكن أن تبادر دولٌ إلى ضمانته، ولكن المهم أن يرى العالم إصلاحات في لبنان، كإصلاح القضاء أو قطاع الكهرباء والمصارف،ومكافحة مكامن الهدر الكبيرة.
التحديات جسيمة، والحكومة أمام استحقاقين كبيرين، الأول البدء بمعالجة الأزمات المعيشية والحياتية، وبالتوازي الإتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي، والثاني التحضير للإنتخابات النيابية. في السياق يلفت أبو دياب إلى أنّ رفع الدعم أزال عن كاهل الحكومة عبئًا كبيرًا، لكن الخطأ برأيه يكمن في إعطاء المجتمع الدولي الأولوية للإنتخابات، إذ وبفعل المهلة القصيرة الفاصلة عن موعد الإنتخابات، تجد الحكومة نفسها ملزمة بالعمل على خطّين متوازيين، العمل على معالجة التدهور الإقتصادي، والتحضير للإستحقاق التشريعي في الوقت نفسه. بالتالي الوقت ضاغط ويتطلب أن يكون الفريق الحكومي منتجًا.
ميقاتي وفي تصريحه من الإليزيه عوّل على الدعم الغربي والعربي، فهل ينجح ماكرون بفتح طريق الرياض أمام حكومة ميقاتي؟
وفق مقاربة أبو دياب بالنسبة للغربيين، مفتاح إعادة تحريك سيدر أو غيرها من المشاريع، يبدأ بوقف الهدر ومعالجة مكامن الخلل بخطوات تدريجية. أمّا بالنسبة للدول العربية، فتح أبواب القروض والإستثمارات من جديد مرتبط بتموضع لبنان وسياسته الخارجية. مشيرًا إلى أنّ صهاريج الوقود الإيراني ألقت بثقلها على الحكومة، ما أحدث خللًا عبّر عنه أكثر من فريق لبناني، ولفت إليه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.
أضاف أبو دياب “الفرنسيون، رغم ما كل ما يقال عن علاقتهم بإيران، لديهم رأي مغاير، بنظرهم كان يجب على الدولة اللبنانية أن تقوم بإدارة مرحلة رفع الدعم الإنتقالي ومن ثمّ رفع الدعم النهائي. لكن بسبب سوء الإدارة حصل ما حصل”.
بشأن الدعم العربي وتحديدًا الخليجي لفت أبو دياب إلى زيارة وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح لباريس قبل أيام، وهو مقرّب من ولي العهد محمد بن سلمان “بحيث جرى الحديث عن مشاريع استثمارية كبيرة بين السعودية وفرنسا، وكان هناك بحث في زيارة لماكرون إلى المملكة في تشرين الأول المقبل، لكن لا زالت غير محسومة، كونها تتوقف على حسابات إنتخابية متعلقة بماكرون. في حال تمت الزيارة قد تتطرق إلى البحث في الملف اللبناني. بأيّ حال جواب المملكة لكلّ من الأميركيين والفرنسيين، أنّهم مدركون لوضعية لبنان في المحور الإيراني، لكنّ في حال تمكّنت الحكومة اللبنانية من إثبات أنّها تتموضع في مكان محايد، يعيد لبنان إلى بعده العربي وعلاقاته الدولية، وفي حال بدأت الحكومة بالإصلاحات، عندها كل شيء قابل للبحث. بالتالي المسألة ليست مقفلة بل متوقفة على نهج الحكومة، لا سيما في سياساتها الخارجية”.
بالخلاصة يقول أو دياب “الدعم الفرنسي ومن خلفه الدولي مشروط بالإصلاحات، بينما الدعم العربي والخليجي بشكل خاص مشروط بالإصلاحات وبالسياسة الخارجية. وفي حال نجحت الحكومة نكون أمام جرعات دعم تمنع الإرتطام الكبير، بعدما أدرك الجميع أن ذلك ليس من مصلحة أحد”.
تبقى الإشارة إلى أن الرئيس ميقاتي حرص خلال تصريحه من باريس على التأكيد أنّ حكومته ستعمل “بالتنسيق مع رئيس الجمهورية والبرلمان لإجراء الإصلاحات الضرورية”، هل أراد القول، إنّ تطبيق الإصلاحات مسؤولية كل المؤسسات في لبنان، حكومة ورئاسة جمهورية وبرلمان، وأنّ على الجميع التعاون لإنقاذ البلد؟ والسؤال الأهم، هل سيغلّب الجميع المصلحة العليا على مصالحهم الفردية في المسار الإصلاحي المطلوب؟ الجواب لن يتأخر حتمًا، لعلّ ملف الكهرباء يمثّل الإختبار الأول.