باجات جوزيف وطقّة الصدر
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
الأمم التي لا تدوِّن تاريخها، وتتعلم منه، محكوم عليها تكرار أخطائها.
بعد بزوغ فجر تحرير الوطن من قبضة الحقير صدام وقواته، يوم 26 فبراير 1991، بعد معاناة دامت سبعة أشهر، توقعنا جميعاً أن الكويت ستكون شيئاً آخر، وأننا تعلمنا، حكومة وشعباً، دروساً لا يمكن أن تنسى!
ولكن مع وصول ثمن أول شحنة بترول لحساباتنا نسينا الغزو والاحتلال والدروس، وحتى تقرير مجلس الأمة عما حدث يوم 2ـــ8ــــ1990، انتهى بـ«طقة صدر»، ولم يحاسب أحد، و«يا دار ما دخلك شر»!
عرف أحدهم «الغمندة»، وقرر الاستفادة من الوضع، وتسجيل أحداث الغزو بطريقته وحسب رؤيته، فقام أولاً بالاتفاق مع هاوي ركوب دراجات هوائية للقيام بمهمة التجول «حول العالم»، حاملاً رسالة تحرير الكويت!
ولتمويل تجواله، اتصل بمختلف الشركات والمؤسسات الكبرى، طالباً منها توفير الرعاية لـ«البطل»، مقابل وضع «باجاتهم» أو شعارات شركاتهم على ملابس الدراج!
بعد أن جمع «أخونا» ثروة لا بأس بها، أعلن عن إلغاء المشروع بحجة إصابة الدراج بكسر في ساقه.
ضاعت أموال الرعاة في بطن الحاج «جوزيف» الكويتي.
قام جوزيف بعدها، بعد نجاح مشروعه الأول، بالحصول على بيت حكومي من الدولة وضع فيه مجموعة من مجسمات من تنك ورسوم وألعاب إلكترونية، وحصل لنفسه على تبرعات ضخمة من مختلف الشركات لدعم مشروعه المتعلق بتوثيق أحداث الغزو والاحتلال، وتبين من اتصالاتي حينها برؤساء بنوك وشركات كبرى أنه جمع ما يقارب المليون دينار، ذهبت جميعها لحسابه الخاص، وانتهى مشروعه لخرابة لا يقبل الغراب النعيق فيها!
مناسبة الحديث عن هذا الموضوع، الذي سبق أن تطرقنا له، ظهور فيديوهات تتعلق بأعمال عسكرية التي قامت بها «المقاومة الوطنية» خلال فترة الاحتلال البغيضة، ومنها مقابلات مع من شارك في إسقاط طائرات العدو بصواريخ استريلا، وكيف أنهم أطلقوا صاروخين على طائرة جامبو مدنية عراقية تنقل معدات وأسلحة وعلى متنها جنود ومسؤولون عراقيون، ومنهم «عزيز النومان»، محافظ الكويت «المحتلة»، الذي قتل في حادث سقوط الطائرة.
تبين لاحقاً، حسب رواية كابتن الطائرة نفسه، أنها أصيبت ولم تقع، والنومان لم يكن فيها، وتم استبدال محركها بآخر سرق من الكويت!
على الرغم من مرور واحد وثلاثين عاماً على التحرير، فإن غالبية من بقوا في الكويت حينها، وكانت لهم أدوار معروفة في المقاومة، ولا يزالون أحياء بيننا، صمتوا وبخلوا بشهاداتهم للتاريخ، تاركين المجال لرواة لا دور لهم، لسرد ما لا يمت للحقيقة بصلة.
قصة احتلال الكويت، والمقاومة، والإعدامات، والرفض الشعبي والرسمي الكاسح للاحتلال بأية صورة أو شكل، جديرة بأن توثق، فهي تجربة إنسانية غير مسبوقة، وحرام أن يطويها النسيان بهذه الطريقة المؤسفة.
نكرر: الأمم التي لا تدوِّن تاريخها، وتتعلم منه، محكوم عليها تكرار أخطائها.
فهل هناك ما نخجل منه في ذلك التاريخ؟