تأرجح القوة وضبابيتها
بقلم: أ.د. غانم النجار

النشرة الدولية –

“في زمن مضى كانوا يصنعون السلاح لخوض الحروب، أما الآن فإنهم ربما يصنعون الحروب لبيع السلاح”.

عندما تفكك الاتحاد السوفياتي أواخر الثمانينيات، خرجت من تحت عباءته 15 دولة قديمة جديدة، وكذلك 6 من يوغوسلافيا، كما سيأتي اليوم الذي تخرج فيه فلسطين إلى الوجود، حُرّة مستقلة. فزماننا هذا يبدو أنه زمن ظهور الدول، لا اختفائها، فقد ظهرت للوجود قرابة 30 دولة بمعدل دولة في كل سنة. ولتتضح الصورة، فإن أغلب جارات أفغانستان الآن، كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، الذي أصبح روسيا.

تفاءل المتفائلون حينها، لأنّ نظاماً دولياً جديداً على وشك الولادة، بمفاهيم جديدة، مثل التدخل الإنساني.

كانت محطة التجربة الأولى لتلك المفاهيم، الصومال، وصدر قرار مجلس الأمن للتصدي للمجاعة عسكرياً، وكانت أميركا في المقدمة، لملء الفراغ، وأطلق عليها “عملية إعادة الأمل”. كان لافتاً أنه تم استخدام الاسم، في اليمن، فكان أن سقطت كوادر “رينغرز” الأميركية، في أزقة مقديشو. ولم يتردد الرئيس كلينتون حينها في الانسحاب، فانتهت العملية، وضاع “الأمل المنشود”، وتاهت معالم النظام الدولي المتخيل.

كان ذلك في منتصف التسعينيات، وصار البحث عن هوية لنظام دولي جديد كأنه مسؤولية للمنتصر في الحرب الباردة، والذي كان يفترض أنها الولايات المتحدة. كانت حقبة التسعينيات هي الأكثر التباساً في تاريخ العلاقات الدولية، فلا شخصية ولا ملجأ.

وجاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتمثّل مخرجاً جديداً، فلم يتأخّر الرئيس جورج دبليو بوش في إعلان منظومة جديدة للعالم، تقوم على إمّا أن تكون معنا أو ضدنا، لا منتصف طريق، كما تقوم على حرب جديدة، اسمها الحرب الكونية على الإرهاب GWT.

كانت مفاصل القرار حينها في أميركا بيد “المحافظون الجدد”، وهم فئة متطرفة، متشددة، يمينية، تؤمن بالعنف لاستعادة دور أميركا، ومن أبرزهم ريتشارد بيرل، أمير الظلام.

وفي هذا الإطار، جاء غزو أفغانستان، ثم العراق. والغريب في الأمر أن وزارة الخارجية الأميركية كانت تعمل لسنوات على “مشروع مستقبل العراق”، وقد اشترك في صياغته المئات من الشخصيات العراقية، بإشراف توم واريك، وخرج المشروع بتفاصيل عن كيفية إدارة العراق بعد سقوط النظام. إلّا أنه عندما تم غزو العراق عام 2003، تولّى المحافظون الجدد القيادة، ورفضت وزارة الدفاع الأميركية حتى الاطلاع على تلك الخطة، وتحوّل العراق تحت الحاكم الأميركي بول بريمر إلى شيء آخر. وللحديث بقية.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى