اعترافات القس.. ومثقفو الأمة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
كتب القس الألماني مارتن نيموللر (1892 – 1984) النص الأدبي التالي في صورة اعتراف، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واصفاً فيه حالة الجبن التي انتابت المثقفين الألمان وبعض رجال الدين، وهو أحدهم، بعد صعود النازيين إلى السلطة وقيامهم بعمليات القضاء على المناوئين لهم:
«لقد بدأ النازيون معركتهم مع الشيوعيين، ولم أرفع صوتي لأنني لم أكن شيوعيًا. ثم جاء دور القضاء على اليهود، ولم أحتج لأنني لم أكن يهودياً. ثم جاؤوا للنقابيين، ولم أرفع صوتي، فلم أكن نقابياً. ثم قرروا القضاء على الكاثوليك، لم أعترض لأنني بروتستانتي. ثم جاء دوري، وهنا لم يتبق أحد لرفع صوته دفاعاً عني».
ليس سهلاً أن يكون المرء مثقفاً وليبرالياً. فالمثقف الحقيقي هو المؤمن بحقوق الإنسان، حسب الإعلان العالمي وليس كما يعتقد. ولا يمكن اكتساب الثقافة والليبرالية خلال فترة قصيرة أو من قراءة بضعة كتب وصحف أو حتى ملايين التغريدات، بل يتطلب الأمر بذل جهود كبيرة في الدراسة والقراءة وصقل كل ذلك بتجارب حلوة ومرة، والتواجد في بيئة سليمة فكرياً. فالتخلص من الإرث المعرفي السابق، وسماع ما لم تعهد الأذن سماعه، وتقبل مالم تعتد النفس قبوله مسألة صعبة خاصة في البيئات المنغلقة، والمقتصرة على مذهب أو دين أو فكر واحد، كغالبية مجتمعاتنا، فالبشر يأنسون ويشعرون بالراحة مع ما يعرفون من عادات وثقافات. كما ليس سهلاً على بقية أفراد المجتمع تقبل من يعارض معتقداتهم ويسخر من عاداتهم وأطعمتهم وتقاليدهم، لما لهذه الأمور من قدسية لديهم، وهذا يصعّب دور من يرغب في التحرر من قيود مجتمعه.
كما أن مجتمعاتنا تدفع حتى مدعي الانفتاح والليبرالية، ومن خريجي الجامعات الغربية، لمناصرة القريب، حتى لو كان عضواً في أكثر الأحزاب والتجمعات عنصرية وتشدداً وتخلفاً.
غرس حزب «الإخوان المسلمين» المصري جذوره في وطننا منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي، وسكت الجميع عن وجوده بيننا في حينه لجهلهم بحقيقة أهدافه.
توسعوا مع الوقت في أنشطتهم وانضم لهم تقريباً معظم شباب أسر الطبقة الوسطى، واتسم عملهم بالصمت، والتركيز على المسائل الدينية والبعد عن السياسة، كيلا يثيروا السلطة. وشيئاً فشيئاً تولى المنتمون له أعلى المناصب مع عودتهم من الدراسة في الخارج، وهذا أيضاً لم يلفت نظر أحد. وشكلت الستينيات بداية تغلغلهم في مفاصل الدولة، خاصة بعد أن أعادوا تأسيس حزبهم عام 1963 تحت مسمى وقيادة جديدة، ثرية ومتسلطة، وبدأ عصرهم الذهبي، الذي طال، خاصة بعد أن تخلوا عن سابق «تحريمهم» الانتخابات، والإيمان المزيف بالديموقراطية، كوسيلة للوصول للسلطة، وهذا أيضاً لم يثر شكوك السلطة.
تنامي قوة الحزب، سياسياً ومالياً، وخوف السلطة من اتجاهات البعض القومية والطائفية، دفعاها للاستقواء بهم، فدعمتهم بمختلف الصور، فتمكنوا من تعزيز فوزهم في كل انتخابات برلمانية أو جمعيات أو شركات، وسُمح لهم بتأسيس مؤسسات مالية ضخمة، وجمعيات خيرية، فتنامت ثروتهم وزادت شراهتهم، ولكنهم اختاروا في الغالب مهادنة الحكومة، وتأييدها بأصوات بعض نوابهم، ومعارضتها بأصوات بعضهم الآخر. ولم يطل الوقت قبل أن يُسمح لهم بالسيطرة على مناهج التعليم، فغيروا فيها، وعلى جمعية المعلمين، فرفدوا المدارس بجيش من المدرسين الإخوان. كما تمكنوا من الاستحواذ على هيئة ووزارة الأوقاف وعلى منابر المساجد، وكل ذلك لم يثر شكوك أحد!
وخلال نصف قرن أصبح الإخوان القوة السياسية الأكبر والأهم والأقوى على الساحة، لدرجة أنهم نجحوا في إبعاد تهمة «الخيانة العظمى» عنهم عندما قاموا خلال احتلال «وطنهم» الكويت، بالاجتماع بمن احتل وطنهم، وهذا أيضاً لم يلفت انتباه السلطة!
كما نجحوا في التغطية على كل اتهامات تمويل الإرهاب، وكل ما قيل عن ولائهم للمرشد وللتنظيم الدولي، الذي لم يخف يوماً أحلامه في تأسيس دولة الخلافة!
إن خطر هذا الحزب واضح، ولن نسكت ولن نُخدع بادعاء البعض أنه جزء من الكويت، وأن مؤسسيه كانوا من «الأشراف» بل هو جسم غريب عن المجتمع ويجب استئصاله، وسنستمر في تعريته إلى أن ينكشف للجميع، كما حدث لهم في مصر والإمارات والسعودية والسودان وتونس، ومؤخراً في المغرب!
ملاحظة: صادر السودان كل فنادق وعقارات وشركات صيرفة وغيرها تابعة لحركة حماس الإخوانية!
والسؤال: ماذا تفعل أموال حماس في السودان، والتي جمعت أساساً للصرف على تعليم الفلسطينيين وتدريبهم؟