مسرحية “لا رئيس” لبناني طويلة إذ فقد “البطل” قوة الفرض
النشرة الدولية –
لبنان الكبير –
يتشابك السياسيون ويختلفون على الكبيرة والصغيرة، ويعقّدون الاستحقاقات الدستورية الى حد العجز عن الحلحلة، لكنهم يتفقون على تضييق الخناق على رقاب الشعب وفرض الضرائب وزيادة التعرفات على كل أنواع الخدمات شبه الغائبة، بسلاسة غير مسبوقة، وآخرها رفع التعرفة على الكهرباء للمرة الأولى منذ التسعينيات، وربما في المرة المقبلة ستكون التعرفة الأغلى والأقسى على الهواء الذي يتنشقه الشعب المخنوق.
هذه السلاسة في فرض الضرائب، ومن دون أي تردد كان يتمنى اللبنانيون لو أنها تسري على الاصلاحات والاستحقاقات بحيث أن مسرحية انتخاب “لا رئيس”، وعقد تشكيل الحكومة، واللامبالاة في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات التي تسابق الفساد والجشع، تثبت أكثر فأكثر أن المسؤولين في واد وأهل الديار في واد آخر.
على الصعيد السياسي، وبعد أن أخفق مجلس النواب أول من أمس في انتخاب رئيس للجمهورية، هدأت الحركة السياسية أمس، وكثرت التحليلات حول الجلسة الانتخابية، وبدأ كل طرف يقوّم مجرياتها، ويدرس تفاصيلها، ويزين نتائجها بميزان الذهب لأنها تشكل خارطة الطريق للمرحلة المقبلة. وبعيداً عن القراءات المتناقضة والتي تتلاءم مع سياسة القطبين الأساسيين المتعارضين، يرى بعض المحللين أن انتخابات 2022 الرئاسية تختلف كثيراً عن استحقاق 2014 الذي أدى إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في العام 2016، على اعتبار أن الأكثرية في الاستحقاق السابق كانت بقيادة “حزب الله” الذي تمكن من خلالها من فرض ما يريد على من معه وحتى على خصومه السياسيين، فيما اليوم انتقل من موقع الفرض الى موقع الرفض بحيث أنه قادر على تعطيل وصول رئيس جمهورية من الفريق الآخر الذي يخاصمه، وهذا ما فعله عملياً من خلال الأوراق البيض الـ 63.
ويشير أحد المحللين السياسيين الى أن الاستحقاق اليوم يأتي بعد تجربة أثبتت فشلها، اذ في الـ 2016 كان هناك تسويق لنظرية الرئيس القوي مترافقة مع بعض الهرطقات الدستورية، أي محاولة لفرض عرف أن الأقوى في طائفته يجب أن يكون رئيساً للجمهورية. هذه النظرية لم تعد واردة ولا يمكن أن تتكرر بعدما أثبتت فشلها. منذ العام 2014 الى العام 2016 كانت هناك محاولات للوصول الى ما يسمى التوافق بين القوى كافة من مختلف الطوائف، وعندما حصل التوافق ووصل الرئيس عون الى القصر الجمهوري، خرب البلد، وليس وارداً اليوم تكرار السيناريو نفسه. اضافة الى أنه كان هناك حد أدنى من الوضع الطبيعي على المستويات كافة خصوصاً المالية والاقتصادية، وكان يكفي أن يكون رئيس الجمهورية سياسياً، في حين اليوم لا يكفي اليوم أن يكون الرئيس سياسياً انما أن تكون لديه خلفيات مالية واقتصادية على قاعدة أنه منذ لحظة تسلمه سدة الرئاسة يضع خطة انقاذية شاملة لأن المؤسسات مهترئة ومنهارة كلياً. كما أنه في العام 2016، من أراد ايصال الرئيس عون الى بعبدا لم يكن يقيم حسابات لوجهة لبنان الخارجية وكيف يجب أن تكون سياسته الخارجية اما اليوم، فالرئيس المقبل يجب أن يعمل على اعادة ترميم نظرة الدول الغربية والعربية الى لبنان، وأن يكون لديه الحد الأدنى من الشخصية التي توحي بالثقة كي يتعامل مع الدول الصديقة والشقيقة. وبالتالي، عليه نقل لبنان من المحور الذي أوصلنا الى جهنم، الى اعتماد سياسة تحاكي مصلحة البلد الخارجية والتي ترتد ايجاباً على الداخل في حال نجاحها، وترتد سلباً اذا فشلت. الفارق كبير بين استحقاقي 2016 و2022، بحيث أن التحديات أكبر اليوم، ولكن يجب أن تكون تجربة 2016 درساً مهماً لدى القوى كافة لعدم تكرارها لا من خلال النائب جبران باسيل ولا من يشبهه. والمشكلة اليوم في البرلمان أن هناك فريقاً لا نعرف ماذا يريد حتى بتنا نترحم على التركيبة القديمة بوجود بعض الوجوه الجديدة. وبالانتقال الى التطورات الاقليمية والدولية، فلا شك في أن لها تداعيات سلبية وايجابية على الواقع اللبناني، وبطبيعة الحال على الاستحقاقات الدستورية. وهنا نسأل على سبيل المثال: ماذا لو استيقظنا ذات يوم وفوجئنا بقرارات دولية وعربية تتحدث عن مساعدة لبنان وانقاذه؟ ماذا يحصل؟ طبعاً تنقلب الأمور رأساً على عقب نحو الأحسن والأفضل، ولكن لكي يحصل ذلك علينا أن نعتمد سياسة تحاكي هذه التطلعات، وأن يعرف الرئيس كيف يتوجه الى هذه الدول ويتعاطى معها على قاعدة الاحترام المتبادل واعادة لبنان الى دوره في جامعة الدول العربية كعضو مؤسس فيها، واعادة نظرة الدول العربية الى لبنان كما كانت في السابق أي لؤلؤة البحر المتوسط. لا نريد أن نتحول الى شحاذين انما أن نكون كالأخ الصغير الذي يستحق الوقوف الى جانبه. لم تتدخل يوماً الدول العربية في الشؤون اللبنانية بالطريقة التي تتدخل بها الدول الشريرة، لكن هناك أولوية ألا يكون لبنان يعتمد سياسة ضدها. وفي المحصلة، قبل أن ننتظر دوراً من أي دولة قريبة أو بعيدة، شقيقة أو صديقة، علينا أن نتطلع الى الدور اللبناني تجاه هذه الدول، على الأقل أن يكون لبنان دولة محايدة ذات سيادة، لا تسمح بالتطاول على الدول العربية أو تهديدها. هذا ما يجب اصلاحه قبل أن نتطلع الى دور هذه الدول في لبنان.
فيما اعتبر أحد المحللين الموالين أن الظروف السياسية التي تحيط بالاستحقاق الرئاسي اليوم مختلفة عن العام 2016 بحيث أننا على الصعيد الخارجي امام تصعيد دولي كبير بين روسيا وأوكرانيا وارتداداته على المنطقة، والموقف الأوروبي والأميركي والعربي الذي تغيّر تجاه لبنان عما كان عليه في السابق كما أن الاتفاق النووي، والحوار السعودي – الايراني، كلها تطورات تنعكس على الوضع الداخلي اللبناني، سلباً أو ايجاباً، على الرغم من ان لا علاقة لها مباشرة بلبنان. اما في الداخل، فإن بعض الأحداث كثورة 17 تشرين وانفجار مرفأ بيروت، ساهمت في تغيير الهوية السياسية في لبنان، وبالتالي، التغيير في خارطة المجلس النيابي الذي أصبح أكثر تنوعاً ولا أكثرية فيه قادرة على ايصال رئيس حتى أن بعض النواب يعملون “على القطعة”. الانتخابات الرئاسية اليوم لا تشبه انتخابات 2016 باستثناء أن لبنان ليس بلداً قادراً على انتخاب رئيس ولا يمكن لبننة هذا الاستحقاق ما يعني أن الملف سيبقى متأثراً برياح المنطقة والعالم. هذا هو وجه الشبه الوحيد بين الاستحقاق اليوم والاستحقاقات السابقة.
أما على جبهة التأليف الحكومي الذي يجد صعوبة في الخروج من عنق الزجاجة بعد حوالي 3 أشهر من المفاوضات والنقاشات والعراقيل، فيبدو أن أجواء التفاؤل الحذر عادت لتطغى على التشكيل خصوصاً بعد عودة اتصالات الانعاش بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي بوساطة من “حزب الله”، ودخول المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على خط التشاور بين الطرفين. وأشار مصدر مطلع لموقع “لبنان الكبير” الى أن الجو ايجابي، وأن المرحلة لا تزال تتطلب المزيد من التشاور لأن الساعات الأخيرة شهدت تبديل بعض الأسماء، كما يتم البحث في بعض المطالب التي لن تشكل عائقاً أمام تشكيل الحكومة مع التأكيد أن التعديل يتمحور حول وزيرين أو أربعة. وفي حال استمرت فكفكة العقد بالوتيرة نفسها، فليس مستبعداً أن نشهد ولادة للحكومة الأسبوع المقبل بحيث من المتوقع أن يزور الرئيس ميقاتي القصر الجمهوري مطلع الأسبوع .
وفيما لفت أحد مواكبي النقاش في الاستحقاق الحكومي الى أن الاتصالات قائمة بعيداً عن الاعلام على أمل الوصول الى صيغة ايجابية مع عدم الدخول في التفاصيل لأن ذلك ربما يعرقل عملية التشكيل التي يجب على الجميع تسهيلها، تحدثت معلومات عن أن تجاوب النائب جبران باسيل مع رغبة “حزب الله” في تسهيل التشكيل، والتراجع عن المطالب والعراقيل، يريد مقابله وعداً من الحزب بعدم السير بأي مرشح لرئاسة الجمهورية ما لم يحظ بموافقته المسبقة.
وعلى صعيد ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، أكدت مصادر مطلعة لـ “لبنان الكبير” أن الايجابية لا تزال قائمة، والأمور تسير وفق مصلحة لبنان، وأن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب يتواصل بصورة مستمرة مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لتسريع الملف وانجاز اتفاق الترسيم قبل نهاية العهد الحالي، مع العلم أن الجانب الاسرائيلي لا يزال يماطل لاعتبارات لها علاقة بالانتخابات الداخلية لديه.
وفيما تحدثت معلومات عن أن لبنان تسلّم أمس الردّ الاسرائيلي المنتظر حول ترسيم الحدود، الا أن الجهات الرسمية والمعنية لم تؤكد هذا الأمر. وكان بو صعب أشار في وقت سابق الى “أننا نتوق الى أن يتسَلّم رئيس الجمهورية ميشال عون خلال 24 ساعة الرَد أو العرض الخطي من الوسيط الأميركي على أن يدرس، وإذا كان ضمن الحدود يكون إيجابياً ويُبنى عليه. الجو إيجابي ولا نريد أن نُفرط في التفاؤل في انتظار الرد الخطي. كانت هناك نقاط كثيرة عالقة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، استطعنا حلها، والحلول كانت بما يناسب لبنان”.