“مين وراك يا اسميك”؟!
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
بين الفينة والأخرى يهل علينا رجال الأعمال بأفكار حمقاء سياسياً مفيدة لهم إقتصادياً، ودوماً ما تطالبنا هذه الأفكار التي أصبحنا نشك في مصادرها، بالتخلي عن المزيد من الأراضي الفلسطينية وتوقيع المزيد من إتفاقيات الذل والخنوع، بل تعيدنا إلى حكومة بوش الإبن ومديرة أمنه القومي كونداليزا رايس، التي طالبت الرئيس الصهيوني شارون بعدم إغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، لحين إيجاد من يقوم بالتوقيع على الإتفاقيات الأمنية مع الجانب الصهيوني، واليوم يطالبنا رجل الأعمال حسن سميك بالتخلي نهائياً عن فلسطين التاريخية، وفتح الأحضان للصهاينة ودمج الأردن وفلسطين في دولة واحدة، منفذاً توجيهات الصهيوني إيغال آلون التي أعلنها عام 1969 وأطلق عليها الحل النهائي، وأسماها وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كيسنجر بخطة “البالون والنقانق”، وهذه الخطة نبذها ورفضها العرب قبل نصف قرن، فهل يعود العرب إليها حبواً من أجل القليل من المال والإستثمارات والتي تعتبر حياة البعض، فيما أبناء الشهداء والأسرى يُدركون أن الإستقلال هو الثمن المناسب لأنهر الدماء التي سالت على ضفتي نهر الأردن.
سميك كتب في مجلة ” فورين بوليسي” الأمريكية مقال حمل عنوان “وحدوا الأردن وفلسطين – مرة أخرى”، وحتى لا يفهم الكاتب أو غيره كلامنا بطريقة مغلوطة فنحن مع توحيد فلسطين والأردن، بل مع توحيد بلاد الشام والأمة العربية من منطلق قومي عربي، لكن ليس بالطريقة والترويج الذي اتبعه الكاتب في سرد الحكاية، والتي جعلتنا نشك بأن ما كتبه مجرد بالون إختبار لغاية قياس رد فعل الشارع العربي، أو لتسريب معلومات عن مستقبل المنطقة، من أجل بناء عملية جديدة من التنازلات في حال تقبل الشعبين الاردني والفلسطيني هذا الموقف، وهو ما جعلنا نشير بأصابع الإتهام لعديد الدول الباحثة عن الإرتماء في الحضن الصهيوني، والساعية للتلاعب بالمواقف الأردنية الفلسطينية.
فالكاتب المليونير وربما الملياردير، روج لنفسه في المقال على أنه يملك خبرة واسعة في مجال التسويق وبالذات للتكنولوجيا الصهيونية، وروج بأن الشركات الصهيونية ستكون موضع ترحيب كبير في الوطن العربي على غرار ما حصل في الامارات، وعاد وتطرق للإزدهار المتوقع في الأردن بسبب تدفق رأس المال إضافة إلى وجود منفذ بحري على المتوسط وخيراته المتعددة ومنها غاز غزة، وحصول الأردن على ضمانات دولية لتوفير المساعدات وضمانات تشغيلية من أميركا وأوربا والخليج والتي ستوافق بسهولة ” حسب راي الكاتب”، وهذا يعني أنه لا مشاكل مع الصهاينة وأن مشكلتنا معهم تنحصر الطعام والشراب والإستثمار، متناسياً ان القضية قضية وجود وليس مجرد حدود وإستثمارات، ليشذ بفكره عن جميع من سبقوه من باحثين عن حل لقضية شائكة لا تُحل إلا بطريقة الأرض مقابل السلام، دون وعود بالإندماج والفيدرالية والكونفدرالية أو الوحدة الشاملة، فهذا شأن اردني فلسطيني ولا يجب أن يتم الحديث عنه قبل خروج الصهاينة من الأراضي المحتلة بل خروجهم الكلي من فلسطين التاريخية.
لقد قدم سميك أنموذجاً لإنقاذ الكيان الصهيوني قبل إنقاذ الشعبين الأردني والفلسطيني، وهي محاولة علنية لإنقاد الكيان الصهيوني من المواقف الدولية الرافضة لسياسته مع الفلسطينين، ولتوفير الحجج ولإعلان برائته من أنه الإستعمار الأخير في العالم، كما سيُحمل الكاتب الأردن جريرة حماية الحدود مما يزيد من كلفة تسليحها مقابل خفض كلفة الإنتاج الحربي الصهيوني، كما سيدمج الصهاينة في المجتمع العربي كمُصدر للتكنولوجيا، ودعا لتوظيف قوى عاملة صهيونية في الاسواق العربية، ولا ندري حقاً سبب الكرم الحاتمي في تنازلات الكاتب المليونير والذي يدرك أن الصهاينة لا يعطون ولا يدعمون إقتصاديات دول الجوار، بل يبحثون عن النهوض بإقتصادهم وفتح اسواق جديدة، وبما أنهم يملكون المال والمعرفة فهذا يعني أنهم سيسيطرون بطريقة شاملة على الأسواق العربية، ولم يتبنه سميك أو ربما لم يجيد قراءة التاريخ القريب بأن الدول التي أبرمت إتفاقيات سلام مع الصهاينة ولغاية الآن تعاني من جريرة هذه الإتفاقيات، كونها لا تعود بفائدة على العرب، والتجربة الاماراتية التي استشهد بها الكاتب ليس بالمنطق أن تنطبق على الجميع في ظل رفض المجتمع الأردني والفلسطيني للكيان الصهيوني على عكس المجتمع الاماراتي، كما أن التجربة في أولها وليس في خواتيمها إلا إذا كان رأس المال الصهيوني متواجد في الامارات منذ سنوات.
وتتزايد الأفكار الكارثية في مقال رجل المال والأعمال، حين طالب ضم اليهود الراغبين بالبقاء في الأردن “الضفة الغربية سابقاً” وأن يحصلوا على حقوقهم كاملة، ومنها كوته خاصة باليهود في مجلس النواب، وهذا يعني تعديل الدستور الاردني للإعتراف بالديانة اليهودية كشريعة متواجدة على الأراضي الأردنية، وهنا سيكون الكيان الصهيوني هو الرابح الأكبر في هذه الصفقة حيث سينال أسواق تجارية بالمجان، ونواب في دول الجوار ايضاً بالمجان، وحماية أمنية من جيوش الدول الحدودية، وإشغال العرب بحروب عربية عربية بدلاً من أن تكون عربية صهيونية، وفرض سياسة الواقع على الشعب والحركات الفلسطينية.
وفي المقال أخطأ الكاتب في عديد النقاط، ومنها قيامة بمقارنته بين الوحدة الأردنية والفلسطينة السابقة والدمج الإجباري بين الكيان الصهيوني وفلسطين، وأراد أن نشعر بأنها طريق واحدة في الدمج لكن تختلف النتائج، وللحق ما نشره الكاتب المليونير جعلنا نشعر بأنه مجرد هذر فكري، حيث انتقل كثيراً إلى تفاصيل هامشية لإقناع القاريء بفكره الغريب، لكن الأمور الهامشية ساهمت في رفض الفكرة، لنشعر ان بالون الإختبار الذي أطلقة سميك من الولايات المتحدة لن يُحلق عالياً كون مكانه الطبيعي هو الأرض، لذا فلن يصل للأراضي الأردنية والفلسطينية.