بالتزامن مع تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي… تفاوض شاق لإعادة هيكلة الديون اللبنانية
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
بالتزامن مع تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حضّت مجموعة من حملة السندات اللبنانية الحكومة على “بدء محادثات لإعادة هيكلة الديون في أقرب وقت ممكن، للمساعدة في التعامل مع الأزمة الماليّة الطاحنة في البلاد”. مجموعة الدائنين أبدت أملها وتوقّعاتها، في أن “تعزّز الحكومة الجديدة عملية إعادة هيكلة الديون بطريقة سريعة وشفافة ومنصفة. ومثل هذه العملية ستتطلب من الحكومة الإنخراط بشكل مجدٍ مع صندوق النقد الدولي ودائني لبنان الدوليين وشركاء القطاع الرسمي”.
الحكومة بدورها تعهّدت في بيانها الوزاري بإعادة التفاوض مع الدائنين، للاتفاق على آلية لإعادة هيكلة الدين العام، إضافة إلى استئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وشكّلت لجنة لبدء عمليات التفاوض مع الصندوق.
إلى أيّ مدى قد يشكّل المسار التفاوضي بداية إصلاح مالي، وهل التفاوض مع الدائنين مرتبط بالإتفاق مع صندوق النقد الدولي على خطة للتعافي المالي؟
بطبيعة الحال الإرتباط وثيق بين خطّي التفاوض مع الدائنين من جهة وصندوق النقد الدولي من جهة ثانية، إذ ان إقناع الدائنين بصدقية الحكومة في سداد المستحقّات المتوجّبة، مرتبط بوضع الحكومة خطّة مالية واقتصادية شاملة قابلة للتطبيق. إذ لا يمكن للدائنين أن يدخلوا بأيّ مسارٍ تفاوضي لا يؤمّن لهم حصولهم على أموالهم، من هنا تبدو ضرورية معادلة International endorsement وأهمية التوافق مع صندوق النقد الدولي، وفق مقاربة الأكاديمي والخبير الإقتصادي البروفسور بيار الخوري في حديث لـ “لبنان 24”. إذ يعتقد الدائنون أنّه من السهل أن تصدر الحكومة تعهّدًا بإعادة جدولة الديون، ولكن ما الذي يضمن للدائنين حصولهم على مستحقّاتهم بعد الجدولة، يسأل الخوري، طالما أنّ التوازنات في البلد لا زالت هي نفسها، وكذلك أزمة العملات الأجنبية والمواقف الدولية، ومواقف مجتمع الأعمال الدولي والإقليمي. “بالتالي من يضمن للمستثمرين الأجانب حصولهم على البيئة الملائمة لا سيّما المصرفية، لتحويل أموالهم للإستثمار في الداخل اللبناني، خصوصًا أنّ هناك قانون الكابيتال كونترول في طريقه إلى الإقرار. انطلاقًا من هنا، لا يمكن جذب أموال دولية، في حال لم يتمّ إقرار خطة مدعومة من المجتمع الدولي، من خلالها يعلن صندوق النقد الدولي أنّه توصل مع الحكومة اللبنانية إلى خطّة قابلة للتطبيق، وأنّه حصل على تعهدات من الموالاة والمعارضة بالعمل معًا من أجل تنفيذ الخطة. دون هذا المسار لن تضع أيّ جهة قرشًا واحدًا، ولن يدخل الدائنون بأيّ اتفاق”.
ماذا يريد الدائنون من الإتفاق مع لبنان؟
أبرز حاملي سندات اليوروبوند هي Shroder, Ashmore, Black Rock, Amundi, Fidelity, J P Morgan, Amundi, . Pinebridge, يلفت الخوري إلى أنّهم قد عمدوا إلى شراء المزيد من السندات من المصارف المحليّة وضمّوها إلى محفظتهم ، بحيث رفعوا حصّتهم للحؤول دون أيّ اتفاق يعطي براءة ذمّة للحكومة بمعزل عنهم. وأنّ همّهم بالدرجة الأولى هو رفع سعر السند. كان قد ارتفع من سبعة إلى عشرين سنت عند تشكيل حكومة ميقاتي. رغم أنّ ذلك يُعتبر تطور مهم بالنسبة لهم، ولكنّه غير كافٍ لضمان مصلحتهم في التفاوض، خصوصًا أنّهم يملكون ورقة قويّة، وهي منع لبنان من الإستدانة، حتّى ولو أضحى السند بسنت واحد. بالتالي يحتاج لبنان إلى الخروج ببراءة ذمّة من أزمة القروض الخارجية، تمنحها له الشركات الدائنة فقط”.
يضيف الخوري أنّ الشركات الدائنة من حملة السندات الكبيرة، لديها القدرة على التحكّم بالمفاوضات، كونها تملك حق Veto Rate، ولن تقبل بأيّ اتفاق من دون أن يتزامن مع موافقة دولية، يبدو صندوق النقد المعبر الإلزامي لها.
شروط صندوق النقد
إذن الإتفاق مع الصندوق المذكور على برنامج، يشكّل مدخلًا ضروريًّا لإعادة هيكلة الديون. من جهته يشترط الصندوق سلسلة شروط، في مقدمها تحرير سعر الصرف بشكل دائم، يقول الدكتور الخوري “بما يقود إلى تسييل الودائع بالدولار، وهو ما يمثّل معضلة للبنان، بحيث تحصل حاليًّا عمليات هيركات غير معلنة. كما يطلب الصندوق بالتوزاي مع تحرير سعر الصرف، إقرار قانون الكابيتال كونترول، الأمر الذي هربت منه السلطات اللبنانية على مدى عامين، تمّ خلالها تهريب أموال إلى الخارج”.
الإصلاحات تشّكل بدورها أجندة إلزامية أمام الحكومة في طريقها إلى الصندوق والجهات المانحة “أبرز الملفات التي تتطلّب إصلاحًا هي المصالح العامة وفي مقدمها ملف الكهرباء، ووقف إستنزامها الأموال العامة، أو تلك التي ستُمنح للحكومة بموجب الإتفاق مع صندوق النقد، الأمر الذي يتطلب تخصيص الكهرباء.
الشرط الثالث يكمن بمعالجة انتفاخ القطاع العام، ووضع حدّ لاستنزافه الأموال الحكومية، وكل ما يتعلق بالإنفاق الحكومي، من هنا يشكّل قانون الشراء العام مطلبًا دوليًّا، وهو القانون الذي تقدّم التيار الوطني الحر بطعن به أمام المجلس الدستوري. تطبيق هذه الشروط دونه تحديات كبرى، كونها تمسّ بمصالح الطبقة السياسية. فضلًا عن وجود جهات محليّة متوجّسة من التفاوض مع الصندوق، وتعتبر أنّ الأزمة بدأت تتقلّص مع التضخم، هو ما يتنافى مع الأبعاد والمفاهيم الإقتصادية”.
الأشهر الثلاثة المقبلة حاسمة لجهة تبيان مسار التفاوض، ومن شأن التوصل إلى نتائج إيجابية، أن يفتح الآفاق أمام تعزيز ثقة المستثمرين والدائنين، وأمام البنوك المراسلة لتعزيز التعاون مع لبنان.