أ. د. تغريد القدسي الغبرا.. رثاء: في وداع زوجي #شفيق_الغبرا

لن أكتب عن شفيق الغبرا الشخصية العامة، الأكاديمي، المحلل السياسي، الباحث أو المعلم لأني تركت ذلك للآخرين ولأن الآخرين ما توقفوا يكتبون ويرسلون ويتعقبون وسيستمرون. سأكتب عن شفيق كرفيق درب وزوج، فهذا الدور الذي أنفرد به وحدي. كان شفيق خلال الأربع وأربعين عاما من زواجنا مرشدي في أمور السياسة التي هي جزء لا يتجزأ من اهتمامي، فكنت اسأله عن الكثير من الشائكات بعد قراءة الصحف صباحا، فأنا أصحو دائما باكرا وقبله، وأسأله عن تفاصيل كثيرة لا ألم بها. السياسة كانت اهتمامه وفلسطين كانت بوصلته. كان فخورا بكويتيته وما فتأ يتغنى بموقف الكويت الثابت من فلسطين. هو الذي حمل هم الكويت عندما احتُلت وأعطاها من نفسه الكثير إلى أن تحررت. كان يحلم بتحرير فلسطين وإن لم ير ذلك، إلا أن ثورة الشيخ جراح الأخيرة بعثت به الآمال من جديد. شفيق كفّى ووفّى دينه لوطنين أحبهما، الكويت وفلسطين. كان مرجعي الدائم المقيم معي في البيت. والآن فقدت هذا المرجع، فتراني لا أعطي أبنائي الأجوبة كاملة، ولم يعد بإمكاني أن أقول «نسأل شفيق عندما يصحو». فهذه المرة لن يصحو

لا أزال أجتر ألم هذا الفقدان «الأبدي»، ولا أعلم كم سيطول هذا الوجع؟ ولمتى؟ لكني أعلم أن العام ونصف العام الأخيرين من صراع شفيق مع المرض كانت فترة ألم ووجع وضحك وكلام وتجاذبات. هذان العامان المنصرمان فرضا على كلينا، وعلى عائلتنا الصغيرة، البقاء في مساحة ضيقة في أميركا، حيث كان يتلقى علاجه. تعلم منه أبنائي الكثير، سألوه عن الكثير واستمعوا ونهلوا منه. وجاءت الجائحة وفرضت نفسها على العالم أجمع، وكأن العالم كان يرافقنا في رحلة الوجع هذه. وفي حالنا كانت رحلة المعاناة من السرطان والكورونا معا

لطالما كنت ألح على شفيق بالتروي والإبطاء بالعمل والكتابة، خاصة بعد تشخيصه، ولكنه أبى إلا أن يعمل حتى الرمق الأخير. كم كنت أحاول أن أنكر أنه في الطريق للرفيق الأعلى، وانتظر وأتمنى المعجزة. كنت لا أتردد بقراءة أي منهجية علاج موجودة، فأتصل وأكتب وأتناقش وأخبره عنها وعن منهجيتها. كنت أقرا الكتب عن مرضه وكأني طالبة ألخص وأكتب وأسجل. وثق بي وببحثي واستنتاجاتي، ما أثقلني بالمسؤولية تجاهه

لم أفهم رفضه الأكل والشرب ورؤية الآخرين رغم أن أطباءه ظلوا يرددون: «إنه بطل قصته وله الحق أن يخطها كما يريد هو». كنت أتمزق بين حقيقة ما يريد وحقيقة ما هو متعارف عليه، ولكن السنين علمتني أن أجد طريقي لإقناعه وإيصاله للموافقة، حتى لو بعد حين، وهذا ما حصل

في الشهر الأخير من حياته زهد شفيق بالدنيا وما فيها. لفظ جل اهتماماته، متابعة الأخبار، تلفونه، وكمبيوتره الشخصي. رفض الأكل والشرب ورؤية الآخرين. بدأ يعد نفسه لغير دنيانا. أقفل كمبيوتره وتلفونه وأعطاني محفظته وانتظر حتفه وكأنه كان على موعد!

قبل أن نرجع للكويت، وعندما سأل شفيق طبيبه عن النهاية وكم لديه من الوقت أخبره الطبيب «جسمك سيخبرك» ولطالما أخبرني في الشهرين الأخيرين وللحظة الأخيرة من حياته «جسمي يخبرني أني في آخر الطريق». كم هو مؤلم هذا الوداع، فمهما استعددت أو أعددت له هو صعب عند حدوثه. أنت رحلت من دار الفناء لدار البقاء رغم أن رحيلك كان مبكرا وسريعا

رحم الله رفيق دربي ورفيق حياتي، والد أبنائي وزوجي شفيق الغبرا

أ. د. تغريد القدسي الغبرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى