«إيران الكبرى» والسقوط المؤجل!* حمزة عليان
النشرة الدولية –
كانت الأعين مفتوحة على أذربيجان طيلة الأسبوعين الماضيين والأنظار شاخصة نحو إيران وماذا ستفعل معها، حيال ما يتردد عن استدارة هذا البلد الآسيوي نحو تركيا وإسرائيل، وما التصريح الذي صدر عن وزارة الخارجية الإيرانية الذي اتهم فيه سفيرهم المعين في باكو وتحميله جزءاً من المسؤولية، ما هو إلا صورة واقعية عن العلاقة المتشابكة والملتبسة بين “الأتراك الأذريين” أنفسهم والمنتشرين في ولايات متقاربة على حدود الدولتين!
أفضلية إيران تأتي من حيث الموقع الجغرافي، وهو ما يجعلها بالغة الأهمية لدول آسيا الوسطى غير الساحلية، وتحديداً للبلدان التي خرجت من عباءة حكم الاتحاد السوفياتي عامي 1990-1991 لإتاحة الوصول إلى المياه الدافئة، وفي هذه الأجواء وجدت نفسي أبحث عن كتاب سبق أن تناولته في مقالات لي وأعتبره مرجعاً مهما، وهو “انتقام الجغرافيا” من تأليف روبرت كابلان، والصادر عن سلسلة عالم المعرفة، فماذا تخبرنا حقائق الجغرافيا والتاريخ عن هذا الجانب؟
يعود “كابلان” إلى الغزو المغولي الذي قضى على تطلعات طهران نحو آسيا الوسطى، وإن كان النفوذ الإيراني بقي هائلاً فيها بسبب وجود أبناء العرقية نفسها في الشمال، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة الدولة الإيرانية إذا ما اتجهت هذه المجموعة إلى الانفصال! فهذه الكتلة العرقية تضم نحو 8 ملايين من الأتراك الأذريين، ويوجد ضعف هذا العدد في المحافظتين الإيرانيتين المجاورتين، أذربيجان وطهران، ووفق تحليل روبرت كابلان أنه كلما أتى في المستقبل أنظمة أقل قمعاً في “المنطقة السوفياتية” سابقاً، ازداد النفوذ الإيراني عمقاً، لكن تفسيرات التاريخ والجغرافيا تشير إلى وجود اختراق إيراني في جميع الاتجاهات! فطموحات الحكام الإيرانيين الجدد لم تتراجع ورجال الدين يشبهون الشاه بكثير من النواحي، وعندما كانت إيران تحاصر اليونان القديم “انبسطت مثل ذيل التنين حتى وصلت إلى “جيحون وأفغانستان ووادي السند”.
هناك ما يسميه المؤرخ البريطاني مايكل إكسورذي “الفكرة الإيرانية” والتي تتعلق بالثقافة واللغة بقدر ما تتعلق بالعرق والأرض، إن لغات “الداري” والطاجيكية والأردية والهندية والبنغالية وحتى العربية، معظمها تأثر باللغة الفارسية، فقد كانت “إمبراطورية العقل الإيرانية” كما يسميها “إكسورذي” هي الفكرة القوية التي عملت على تضخيم موقع إيران الجغرافي الذي تحسد عليه بحيث كانت إيران الكبرى ظاهرة طبيعية تاريخياً.
الثورة الإسلامية عام 1979 لم تفكك الدول الإيرانية ولكنها ربطت نفسها بها، من وجهة نظر صاحب كتاب “انتقام الجغرافيا” يتضح ومن زاوية التاريخ والجغرافيا، أن الشرق الأوسط الكبير، سيتأثر بشدة بالتطور السياسي الداخلي في إيران، سواء كان ذلك للأفضل أو للأسوأ، فالطبيعة الجغرافية لإيران تمنحها واجهة على آسيا الوسطى بالدرجة نفسها التي تطل فيها على بلاد ما بين النهرين والشرق الأوسط، لكن تفكك الاتحاد السوفياتي لم يجلب سوى مكاسب محدودة لها.
فكلمة “ستان” التي تنتهي بها أسماء الدول التي خرجت عن عباءة السوفيات، تعني “مكان” وهي لفظة فارسية، كما أن قنوات الأسلمة والحضارة في آسيا الوسطى في اللغة والثقافة منبتها فارسي، وبالرغم من ذلك فقد اعتمدت أذربيجان بعد عام 1991 الأبجدية اللاتينية، واتجهت إلى تركيا للتحالف معها.
ينقل صاحب كتاب “انتقام الجغرافيا” عن هنري كيسنجر عندما التقاه بعد سقوط الشاه عام 1979 “أنه لو كانت إدارة جيمي كارتر قد تعاملت مع التمرد ضد الشاه في أواخر السبعينيات بصورة أكثر فعالية فلربما كان الشاه قد نجا، ولكانت إيران الآن مثل كوريا الجنوبية، بامتلاكها نظاماً ديناميكيا وديموقراطية متطورة على نحو غير مكتمل”.. كان نظام الشاه في رأيه قادراً على الإصلاح لكنه لم يفعل!
تفرض الجغرافيا أن تمتلك إيران أهمية محورية لخطوط الاتجاهات السائدة في الشرق الأوسط لكنها لا تستطيع إملاء الغرض الذي ستكون من أجله محورية، ويخلص إلى القول إن إمبراطورية العقل الإيرانية “الحالية تحكم في الغالب بدافع الخوف والترهيب من خلال الانتحاريين بدلاً من الشعراء وسيؤدي هذا إلى تقليص قوتها وينذر بسقوطها في الوقت نفسه!”.
أكثر من ذلك يذهب إلى القول، إذا كان للمرء أن يستفرد بمحور واحد عند التفكير في مصير إيران، فسيكون العراق، لأن هذا البلد كما يخبرنا التاريخ والجغرافيا، مكتنف في السياسة الإيرانية بدرجة لا تحظى بها أي دولة أجنبية أخرى، وكما يرى، إذا تمكنت الديموقراطية العراقية من ضمان الحد الأدنى من الاستقرار فستؤثر في السياسة الإيرانية خصوصا بوجود مناخ فكري أكثر حرية في المدن العراقية المقدسة.
التشابه بين البلدين وبحدودهما الطويلة والمشتركة سيعملان على تقويض الأشد قمعاً من النظامين، من الممكن للجغرافيا أن تمثل عاملاً محرضاً لتأثير العراق في إيران.