الأردن بين خطر المصفقين وشيطنة المعارضين* ماهر أبو طير
النشرة الدولية –
في بعض الحالات يكون المعارض، أكثر وطنية ممن يقدم نفسه مصفقاً، والسبب في ذلك بسيط، فالمعارض الذي يحترف بأخلاقية عالية معارضته، يشخص الازمات ويحمي بلداً، فيما المصفق أحيانا يزور الحقائق ويزين كل شيء، باعتبار ان كل الأمور ممتازة، وان علينا الا نقلق.
المعارض هنا اكثر صدقية في حالات كثيرة، ممن يزينون كل شيء، خصوصا، اذا لم تكن له اجندة خارجية، ولا مرتبطا بتوجيه سياسي او مالي من طرف له دوافع ثانية، والذي يصفق بشكل اعمى ومبرمج لكل شيء، حتى لو كان خطأ يعد شخصا خطيرا يهدد الأردن بالمعنى الاستراتيجي، فهو يزين الأخطاء والقبائح، ولن يجده الأردن عند معركة او غياب منفعة.
معنى الكلام هنا ان شيطنة أي معارض، عمل سطحي، ويتسم بالخفة، فبدلا من شيطنة المعارض المسيس او الشعبي، علينا ان نستمع الى مضمون كلامه وملاحظاته، لكننا على الاغلب نتلفت الى الضجيج، والى انه يتسبب بتصنيع أزمات نحن في غنى عنها.
الدولة عليها اليوم ان تستوعب كل مكوناتها السياسية، وان نتخلى عن سياسة هندسة البرلمانات والنقابات، وقضايا كثيرة ثانية، فهذا هو الدليل الأوحد على وجود اصلاح سياسي مقبل، ولا يضر هذه البلاد ان تكون هناك أصوات مختلفة، ما دام سقف الكل هو الأردن، ويجب تخفيف النزوع الى التحكم المسبق، او اللاحق، بهذه الكيانات الشخصية او السياسية.
رأينا أنموذجا أولياً لاستيعاب الاتجاهات والمكونات في لجنة تحديث المنظومة السياسية، ويكفي ان كل هذه التلوينات خرجت بإجماع على التوصيات، بما يثبت ان التفاهم امر ممكن.
هناك أنواع من المعارضة، هناك المعارضة المسيسة المنظمة المتمثلة بأحزاب وغير ذلك، وهذه يجب منحها فرصتها في الشراكة في إدارة البلاد، ضمن حجمها او قدرتها على التأثير، وهناك المعارضة الشعبية الناشئة فجأة على خلفية قضايا معينة سياسية او اقتصادية او اجتماعية، وهذه يمكن التعامل معها عبر منع نشوء الازمات مسبقا، وهناك المعارضة الفردية التي يتم تصنيعها بسبب أخطاء كثيرة، وهذه بالذات باتت موجودة في الأردن، بسبب طريقة إدارة بعض الملفات، وكأننا ندفع الناس الى الحدة والغضب، ونصنع معارضتهم.
إذا أردنا ان نعيد ترتيب أوراق الداخل الأردني، فيجب ان نتخلص من حالة الاستقطاب الداخلية، وألا نتورط في ممارسات سياسية غايتها تنفيس أي احتقان مؤقتا، وبشكل تكتيكي حتى نعبر مرحلة ما، وهذا يعني ان الدولة ليست تحت الاختبار، ولسنا في مكاسرة، فالكل أبناء البلد، فلماذا نلون الناس بطريقة تتجاوز ألوانهم الحقيقية، ولماذا نقرب شخصا، ونقصي شخصا، او نتبنى اتجاها، ونبعد اتجاها، وقد كان بالإمكان ألا نصل الى حالة الفرز التي نراها، عبر مصالحة كل المكونات السياسية، والاستماع لها، والتجاوب مع رؤاها.
من مصلحة الأردن ان يكون الداخل هو الأقوى، قبل أي علاقات خارجية، وهذا الداخل يجب ان يتغير، عبر عمليات اصلاح عميقة سياسية واقتصادية واجتماعية، تحت عنوان العدالة ومنح الناس حقوقهم، وان نخفف الرغبة بالسيطرة على كل شيء، دون ان يعني ذلك تعزيز الفلتان، لكن هناك حقوقا للأفراد يجب عدم تجاوزها.
الذي يستطيع الوصول لموقع نيابي او نقابي، عليه ان يصل دون عرقلة حتى لو لم يكن مقبولا من الجهات الرسمية فهذا حقه، ووصوله دليل على العدالة، وعلى الأردن أن يستوعب الجميع، ولا تهزه وجود هذه الألوان في حزمته الوطنية، إضافة الى ان هذا دليل في الأساس على الشفافية، ويعطيك تأكيدا على ان كل شيء سوف يتغير، خصوصا، ان بيئة أي انتخابات مثلا، عبر النزاهة، وغياب الهندسة المسبقة، اهم من صناعة التحديثات على القوانين.
وسط ظروف كثيرة، من مصلحة الدولة ان تجري مصالحة مع كل مكوناتها الداخلية، بحيث نخرج من حالة الجدل واللوم وتحميل المسؤوليات الى الاجماع الوطني على كل شيء، بدلا من حالة التشظي الشعبي والانقسام التي نعيشها في ظل ظروف حياتية مرهقة، وتحديات تتدفق من جهات عديدة، وهذا يعني ان احد المطالب هنا، التخلي عن التصنيفات، فالكل هم أبناء الأردن، ولكل واحد فيهم حقوقه التي يجب عدم تجميدها او تغييبها لدوافع غير مقنعة.
البيت الداخلي اهم من كل شيء.