انتخابات تشريعية في العراق وسط هيمنة الأحزاب وإحباط الناخبين
النشرة الدولية –
يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع الأحد، للمشاركة في انتخابات نيابية مبكرة هي نتيجة انتفاضة شعبية هائلة قاموا بها قبل عامين، لكن لا يتوقع أن ينتج هذا الاستحقاق التغيير الذي حلم به كثيرون قبل سنتين في بلد غارق بالأزمات.
وسط معاناتهم من تبعات حروب متتالية وفساد مزمن وانتشار للسلاح وفقر رغم الثروة النفطية، ينظر العراقيون ومن بينهم 25 مليون ناخب، بتشكيك ولا مبالاة إلى الانتخابات التي تجرى وفق قانون انتخابي جديد.
ويتوقع مراقبون أن تكون نسبة المشاركة ضئيلة في العملية الانتخابية التي كان موعدها الطبيعي في 2022، واعتبر تحديد موعد لها من التنازلات القليلة لحكومة مصطفى الكاظمي لامتصاص الغضب الشعبي إثر احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
وتراجعت الحركة الاحتجاجية إثر وقيود احتواء الوباء، لكن في ذروتها، شارك بها عشرات الآلاف من الأشخاص احتجاجاً على الفساد والتدهور الاقتصادي وتراجع الخدمات العامة.
ويقول الباحث رمزي مارديني المتخصص في الشأن العراقي في معهد “بيرسون” في جامعة شيكاغو إنه لا يبدو أن الانتخابات “ستكون عنصراً فاعلاً في التغيير” بعد عامين من الانتفاضة.
ويضيف “كان يفترض بهذه الانتخابات أن تكون رمزاً للتغيير، لكن للمفارقة فإن من يدافعون عن هذا التغيير اختاروا المقاطعة احتجاجاً على عدم تغير الوضع الراهن”.
يقاطع ناشطون ومتظاهرون الانتخابات، بعدما تعرّض العشرات منهم خلال الأشهر الأخيرة للاغتيال أو محاولة الاغتيال، من دون أن يحاسب منفذو هذه العمليات، ما عزّز فكرة “الإفلات من العقاب”.
وتجري الانتخابات التي اعتبرها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي “فرصة تاريخية للتغيير”، وفق قانون انتخابي جديد، على أساس التصويت الأحادي مع رفع عدد الدوائر إلى 83، من أجل تشجيع المستقلين والمرشحين المحليين إلى البرلمان البالغ عدد أعضائه 329، على خوض الانتخابات. لكن خبراء يرون أن التيارات السياسية نفسها لا تزال تهيمن على المشهد السياسي.
وسيتمّ نشر أكثر من 250 ألف عنصر أمن يوم الاقتراع. ففي بلد منقسم تملك غالبية الأحزاب فيه فصيلاً مسلحاً، توجد مخاوف من احتمال حصول عنف انتخابي في حال لم تتوافق النتائج مع طموحات الأطراف المشاركة.
بدأ الانتشار الأمني منذ الجمعة، يوم التصويت الخاص بالقوات الأمنية والنازحين والمساجين. وفي العاصمة بغداد حيث نشر عدد كبير من القوات الأمنية في محيط مراكز الاقتراع، شاهد مصور فيديو في وكالة فرانس برس العشرات من طلاب الكلية العسكرية يقفون بالصف داخل مدرسة للتصويت، واضعين كمامات على وجوههم ومرتدين قفازات للوقاية من الوباء.
تبقى المفاوضات التي ستلي إعلان النتائج من أجل اختيار رئيس للوزراء يقضي العرف بأن يكون شيعياً، أبرز التحديات، في برلمان يتوقع أن يكون مشرذماً.
وفي بلد قائم على التسويات السياسية، ينبغي على القوى الأساسية وضع خلافاتها على ملفات عدة من الوجود الأميركي إلى نفوذ الجارة إيران، جانباً، للتفاوض على اسم جديد لرئاسة الحكومة، في عملية قد تتطلب أشهراً. وقد تمّ اختيار الكاظمي بعد خمسة أشهر من المفاوضات.
ويشرح المحلل السياسي العراقي علي البيدر لوكالة فرانس برس أن “الأمر مرهون بالمحصلة بمستوى تمثيل الكتل لا سيما داخل البيت الشيعي”، في إشارة خصوصاً إلى التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، الأوفر حظاً في هذه الانتخابات.
ويطمح الصدر، لتحقيق نتائج تتيح له اختيار رئيس للحكومة من دون عوائق.
في المقابل، تعزّز نفوذ خصومه الأبرز المتمثلين بالفصائل الموالية لإيران الساعية إلى زيادة تمثيلها في البرلمان الذي دخلته للمرة الأولى في عام 2018 ضمن تحالف “الفتح” بـ48 نائباً، مدفوعةً بانتصاراتها ضد تنظيم داعش الإرهابي.
ويرى البيدر أن القوى الموالية لطهران “تحاول العمل بشكل واضح للحفاظ على المكتسبات التي حققتها في المراحل السابقة”.
في الأثناء، دخل تحالف “تقدّم” برئاسة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي المنافسة بقوة في المناطق السنية كالموصل ومحافظة الأنبار، ما يجعل منه لاعباً لا يمكن تفاديه.
وينبغي على القوى السياسية تجاوز خلافاتها والاتفاق على اسم رئيس وزراء يكون مقبولاً من الجميع تفادياً للنزاعات، لكن على المرشح المستقبلي أن يحظى بمباركة واشنطن وطهران أيضاً.
ويقول مارديني “يحتمل أن تنشأ خلافات أولية بين القوى الشيعية، لكن ذلك ليس سوى تكتيك للمساومة بين أطراف النخبة التي ستفضي بالنهاية إلى توافق”.
ويضيف “يبقى تشكيل الحكومة بيد الأحزاب السياسية وقادتها. لا يمكن للمستقلين إلا أن يكونوا مجرد ملحق سطحي في العملية”.
وقد يزيد ذلك من حظوظ الكاظمي الذي نجح في “الحفاظ على علاقات جيدة مع لاعبين داخليين وخارجيين أساسيين”، وفق مارديني.
ورغم أن “الكتل الموالية لإيران لا تفضل الكاظمي، لكنها ستقبل به مقابل خيار آخر قد يكون أشدّ وطأة على العلاقة مع طهران”، كما يرى البيدر.
وللكاظمي علاقات جيدة مع كل من حليفي العراق الخصمين في ما بينهما: طهران وواشنطن.
واعتبر الكاظمي في خطاب له مساء الجمعة الانتخابات “فرصة تاريخية” من أجل “إجراء الانتقالة المطلوبة في الحياة السياسية بحيث لا تتكرر تجربة 2018 التي قضت بمقاطعة الانتخابات” و”انتخاب مجلس نواب من شخصيات كفوءة ووطنية لا تشوبها شوائب الفساد وتتحمل مسؤولية الإصلاح الشامل على كل المستويات في هذه المرحلة”.
ومهما كان شكل الحكومة المقبلة، لن يغير ذلك شيئاً بالنسبة لجواد الذي خسر ابنه علي قبل عامين في التظاهرات.
فبعدما شارك في تظاهرات الأول من تشرين الأول/ أكتوبر في الذكرى الثانية للانتفاضة، يقول الرجل إنه سيقاطع الانتخابات.