تبقى المسألة الإيرانية حديث الساعة
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية

الجريدة –

الحدث يفرض نفسه والكلام عن الجغرافيا والكيانات يطول منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، وربما كانت منطقتنا من أكثر بقاع العالم عرضة لتغيير الحدود واللعب بالخرائط، فنحن تحولنا إلى حقل تجارب جغرافي لم يتوقف منذ قرون، وعبارة “إيران الكبرى” في مقالي السابق كانت تعبيراً عن عظمة وقوة الجغرافيا، وهي ظاهرة لازمت تاريخ هذا البلد، فقد عرضْتُ فكرة للمؤلف روبرت كابلان، صاحب كتاب “انتقام الجغرافيا” مفادها أن “إمبراطورية العقل الإيراني” التي تقف وراء الجغرافيا، هي امتداد متصل لم ينقطع من سلالة إلى أخرى، وكان يقصد المؤلف في إيرادها أن حكم رجال الدين والقائم على الخوف والترهيب قد يؤدي إلى السقوط وتقليص حجم القوة للنظام لا الكيان وهناك فرق شاسع بين الاثنين.

 

والمسألة الإيرانية تبقى حديث الساعة تحتمل النقاش والاختلاف والأخذ والرد، نعود في هذه المناسبة إلى فيلم وثائقي بثته قناة الـ”بي بي سي” قبل سنة تقريباً وكان التركيز فيه على “الهوية الإيرانية” حيث تظهر كل من “الأمة الإيرانية” و”الهوية الإيرانية” وكأنهما وجهان لعملة واحدة وإن كان الجانب الفارسي يكمن في صلب السردية، كما كتب عنها “Kaveh abbasian”، وهذه الطريقة كما يقول عنها مستوحاة بدرجة كبيرة من سردية قومية أضحت رسمية للمرة الأولى خلال حكم أسرة بهلوي.

 

الزميل يحيى مطر أضفى على المسألة الإيرانية نكهة أخرى، في مداخلة مطولة نظراً لمعرفته الميدانية وزيارته لباكو عام 2005 بالسيارة قاطعاً مسافة 800 كيلومتر وتجواله في مدن تبريز، أربيل، كيلان وقسطرة، وسرده للمعاناة التي واجهته على الحدود الإيرانية– الأذرية اقترح العودة إلى قراءة كتاب “ستالين الشاب” والدور الذي أداه، سواء ما له صلة بالشأن الإيراني أو على الصعيد الأذري، مشيراً إلى أن الكيان الإيراني الراهن كان منقسماً إلى ثلاثة أجزاء، أذربيجان الشرق في الشمال والشريط الحدودي المتاخم لبحر قزوين، والجزء الفارسي الممثل في شيراز وأصفهان وما يحيط بهما، وأخيراً الساحل الجنوبي العربي (الأهواز).

 

هناك خلط عند البعض بين مفهوم كلمتي “إيراني” و”فارسي” إلى درجة وجود من يفترض أن كل الإيرانيين هم من الفرس! والحقيقة الغائبة عند البعض أن معظم المفكرين والنخب الإيرانية تتجه إلى تعظيم الماضي وفترة ما قبل الإسلام عندما كانت إيران إمبراطورية تحكم أجزاء واسعة من المعمورة، وتعتمد في تفكيرها على الانتماء العرقي الآري.

 

إيران دولة قومية، تحن إلى مجد فارسي وتتطلع إلى تحقيق طموحها الإمبراطوري، حيث ما زالت ذاكرتها ترتبط في زمن هيمنة الأخمينيين والساسانيين.

 

لقد حافظ الإيرانيون على هويتهم بالرغم من اعتناقهم الإسلام، وبقي عيد النيروز الفارسي على سبيل المثال حائزاً على التفوق، وما تكريم قورش مؤسسة الإمبراطورية الفارسية إلا عنوان واضح لهذا التوجه (راجع دراسة يعقوب يوسف الإبراهيم تسمية الخليج قراءة في الأصول). وإيران، كلمة تعني موطن الآريين الذين جاؤوا إليها من موطنهم الأصلي “جنوب بحر الآرال” وبالرغم من ذلك، عندما تولى رضا خان الحكم مؤسساً للأسرة البهلوية، واعتبر أن اسم “فارس” تقزيم وتقليل لدولة كبيرة وصاحبة مشروع ضخم! فقد أضاف إلى اسمه لقب “بهلوي” والبهلوية كانت لغة ملوك وسلالة “البرثيين” الذين حكموا إيران 226-250 ق.م، وكانت عاصمتهم خراسان، وهي أيضاً تطلق على مسمى بلدان أصفهان، الري، همدان، ونهاوند وأذربيجان.

 

عام 1926 توّج نفسه شاهاً وأصر على أن يذكر في الدستور ألا يجلس على العرش شخص يحمل الدم القاجاري، وهو الذي أطلق اسم “إيران” بدل “فارس”، بعدما ألغى التاريخ الهجري وحارب رجال الدين وسار في برنامج “أرْينة” إيران بسرعة مذهلة.

 

الحدود الجغرافية لإيران لم تكن ثابتة على الدوام ومسميات الكيان تغيرت تبعاً لمن يحكم، وكثيراً ما توسعت هذه الإمبراطورية باتجاه بلاد ما بين النهرين أو باتجاه منطقة آسيا الوسطى، أما أحدث كيان لها فقد تم رسمه في عهد الأسرة البهلوية بعد ضم المحافظة رقم “13” في مرحلة الاستعمار البريطاني، أي إمارة المحمرة (عربستان).

 

الروايات التاريخية تنقل أنه في عام 1945 تبادر إلى ذهن وزير خارجية الولايات المتحدة، جيمس بايرنز أن يقدم اقتراحاً إلى روسيا لتقسيم إيران إلى 3 كيانات منفصلة، واحد منها إلى الأكراد والتركمان والثاني إلى الفرس، والثالث إلى العرب، لكن وزير خارجية روسيا مولوتوف لم ترق له الفكرة، فقد عارضها ستالين وسحبها الأميركيون.

 

تبقى إيران دولة وكيانا جغرافيا مترامي الأطراف وله جذور ممتدة بصرف النظر عن نظام الحكم، أكان إسلامياً، أم بهلوياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button