في حوار مع الأديبة والشاعرة التونسية وداد رضا الحبيب بين المحراب و الكف ثورة نصٍ و سرديّةُ شعرٍ تعيد بناء المعنى

النشرة الدولية –

حرة بريس – حاورها عبدالحي كريط

من الأديبات التونسيات اللواتي صعدن إلى سلم الإبداع الأدبي في تونس الخضراء  وفرضن وجودهن بالمشهد الثقافي بالبلاد وإنتقل هذا التأثير إلى المحيط المغاربي والعربي من خلال عدة جوائز وتكريمات.

متحصلة على الأستاذية في اللغة والاداب الفرنسيّة، وماجستير بحث في الفلسفة، التنوير والحداثة (مرحلة البحث) لها عدة إصدارات أدبية وشعرية قيمة من أبرزها المجموعة القصصية ثرثرة أنثى والمجموعة الشعرية أنا العاشقة وخيال المرايا والمجموعة الشعرية شهية كالوداد ورواية محراب في كفي موضوع حوارنا.

كما انها حاصلة على عدة جوائز وتكريمات من أبرزها  فائزة بالجائزة الثانية بمصر عن مسابقة القصة القصيرة ” مسابقة يوسف زيدان “

* تكريم من قبل مهرجان ” الأشقاء العرب ” بالجزائر

*  تكريم ضمن فعاليات معرض بيروت الدولي للكتاب دورة 2018

* تكريم بمعرض تونس الدّولي للكتاب في 2018 و 2019

* تكريم من قبل وزارة التربية و التعليم التونسيّة ضمن المربّيات المبدعات في 2018

ضيفتنا لهذا الحوار على حرة بريس هي الأديبة والشاعرة التونسية وداد رضا الحبيب لكي تتحدث لنا عن عملها الروائي الشعري الجديد محراب في كفي والذي لقي استحسانا من قبل العديد من النقاد من أبرزهم الدكتور فتحي بن معمّر:

من “محراب اللّعنة” مرورا بـ “محراب الموت”،  تُبحر بنا السّاردة بلا أشرعة لنعتكف في محراب “الحزن المقدس” ونستكنه “حيرة الإله” أمام “طفولة على أرجوحة الزّمن”.

تُبحر بنا، وربّما لنا أو لبعضنا لنكتشف، بل لنستكشف معها قبل أن نكتشف ما تريد أن تكشف بعد تردّد سرديّ ومواربة لا تخفى على القارئ المحتفل بالكلام المضمر قبل الكلام المخطوط على البياض الذي يغريها بالكتابة.

1/ محراب في كفي هي آخر اصداراتك الأدبيّة وقد لقيت صدى في أوساط النقاد، ما هو الدافع الرئيسي الذي دفعك إلى كتابة هذا العمل الأدبي المتميّز؟

هذا يحيلني إلى سؤال آخر ” لماذا نكتب؟” وقد خصصت لهذا السؤال الرسالة الثانية ” في مدار القصيد ” والرسالة الرابعة ” لعنة البدايات ” من الكتاب. هو سؤال خطير على بساطته وفي الواقع لا يمكن لأي كاتب أن يجيب بصفة قطعيّة. ولكنّني سأجيبك بفقرة من كتاب محراب في كفّي ، الصفحة 29 حيث أقول ”

في النهاية أعتقد أنّني لا أكتب. لست سوى أداة لدى الكتابة. أظنّ جازمة أنّني رهينة عندها وليس لي أن أهرب خارج مملكتها فجدرانها عالية وأبوابها مغلقة وأنا… أنا التّائهة داخل أزقّتها لم أتعلّم التنفّس إلا بهوائها ولا المشي إلاّ على أرضها وبين هضابها حتى ولو أدْمت أشواكها قدميّ فإنّني أعشق الألم المنسكب من فنجانها.”

2/ما سبب تركيزك عل تيمة الموت والحزن في كتابك؟

نحن نولد لنموت. هذه المفارقة العجيبة كانت و مازلت تؤرقني. حتى أنني تساءلت من خلال ” محراب في كفّي” هل الموت فكرة، ظاهرة بيولوجيّة، أم هو كائن حيّ له وجود بيننا وحولنا وفينا.

الموت يمكن أن نستشعر وجوده من خلال التفاصيل البسيطة للحياة اليوميّة كذبول الأزهار مثلا…و أيضا انتهاء وذبول وموت العلاقات الحميميّة التي كنا نعتقد أنّها جزء منّا ومن كياننا ووجودنا. انتهاء علاقة حب أو صداقة أو قرابة عائليّة هو موت لسرديّة ولمشاعر كانت تسكننا وكانت تمثّل جزءا من الحياة. وبعد كلّ موت هناك ولادة جديدة وهكذا الى أن يزورنا الموت الأكبر أو ربّما نحن من نزوره.

لكن دعني أضيف أن كتاب ” محراب في كفّي” لا يطرح قضيّة الموت بشكل سلبي وكأنّ الموت هو نقيض للحياة والسعادة والحركة. الكتاب يطرح اشكاليّة الموت كنوع من الانعتاق وكرحلة وابحار وربّما حتى نجاة.

اعتقد أنّه علينا أولا أن نتصالح مع الموت و من خلال الرسالة الثالثة من الكتاب بعنوان ” في محراب الموت” طرحت فكرة الانتحار كإبحار وبحث عن الضفّة الأخرى. هذه الضفّة التي لا يمكن أن نصلها إلا من خلالنا فهي تسكننا . الضفة الأخرى ليست في مكان آخر بل هي هنا و الان …في ثنايا الروح . لذلك أحبّذ ربط الموت هذا الكائن العظيم بمشاعر الحزن والانكسار.

3/ ماهي التمثلات الفنيّة و الجماليّة التي جاء بها محراب في كفي؟

” محراب في كفّي ” هو حلقة من مشروع ثقافي أدبي كامل أرنو إليه ولا أدّعي أنني سبّاقة في طرحه. هو اشتغال على الكتابة التي ترفض القوالب التجنيسيّةّ وتريد أن تجدّد و تحقق جماليتها الخاصة والمستقلّة وفي شكل ثوري عن أيّ وصاية خارج الفعل الإبداعي في حدّ ذاته.

لغتي تبوح بالكثير عن تصوّري للعالم كقصيدة نثر مطوّلة تستوعب جميع أنماط الكتابة مهما كانت متناقضة أو مختلفة. ثورة اللغة من ثورة القصيدة وثورة القصيدة من ثورة المرأة التي تحتضن العالم بأسره. هكذا أرى وأشعر وأعيش العالم. لذلك كتاباتي السّرديّة ” ثرثرة أنثى “، ” سيزيف الأخير” ثم ” محراب في كفّي” تلتقي جميعها في هذا الأسلوب السردي الشعري الذي يحتفل مع كلّ كلمة وفاصلة  باللغة ومن خلال اللغة.

هذا الاشتغال على اللغة ليس من فراغ بل من وعي منّي بأننا نوجد من خلال اللغة وننتج أيضا لغة تؤثث و تؤثّر وتعيد بناء العالم فتنجنا بدورها من جديد. هي دورة متكاملة كدورة الحياة التي تنتج الموت فينتج الحياة الاخرى فنعود من جديد لنوجد لكن بشكل أعمق و أرقى وأجمل. اللغة ليست مجرّد أداة هي كائن حيّ والتلاعب باللغة أمر مغر وخطير جدا ليس فقط على المستوى الأدبي الابداعي بل أيضا على المستوى الاجتماعي والسياسي الذي يولّد واقع اقتصادي و اديولوجي للشعوب. الذي يتعامل باللغة ومع اللغة عليه أن يدرك جيدا أن نشاطه بقد يكون سياسيا بامتياز وأنّه يساهم في بناء رؤية للعالم قد يختلف أو يتفق معه المتلقي ولكنّه بكلّ تأكيد سيؤثّر في هذا المتلقّي بشكل أو بآخر.

4/ما هي المحددات الرئيسيّة التي انطلقت منها في البناء السردي لنصوص محراب في كفي ؟

الفكرة الأساسيّة هي طرح مجموعة قضايا ” العلاقة الروحيّة بالمعنى الصوفي للكلمة ومكانتها في المجتمع المعاصر، الموت والجسد والروح، العلاقة بالأنا والآخر….” ومن هذا المنطلق كانت الكتابة في شكل مجموعة رسائل بلغ عددها خمس عشرة رسالة تكتبها امرأة لا نعرف عنها شيئا إلى شخص غائب تُسمّيه ” سيّدي” . وهنا تعدّدت التأويلات حول هذا السيّد هل هو الحبيب أم شخص ذو سلطة على هذه المرأة أم هو الله وهنا تأخذ الرسائل وكامل الكتاب بعدها الصوفي بامتياز.

هذه الرسائل نسجت قصّة تحكيها الساردة بضمير المتكلّم ولكنها قصة تقريبا بلا شخصيات ولا أحداث وتقطع تماما مع الشكل الكلاسيكي للرواية.

وهو ما جعل النقاد يختلفون في تجنيس كتابي ” محراب في كفي” هناك من ذهب الى أن الكتاب هو رواية بأسلوب جديد ومبتكر وهماك من كتب أن الكتاب هو مجموعة قصصيّة. رجّح البعض فكرة أن الكتاب هو مجموعة تأمّلات تطرح قضايا فلسفيّة وجوديّة لكن بشكل أدبي و هنا من كتب أن الكتاب ينضوي ضمن ما يسمّى بأدب التراسل. بالنسبة لي ” محراب في كفّي” هو كلّ ذلك خاصة أن الكتاب يحتوي على نصوص نثريّـة وأخرى قصائد نثرية كما نقرأ أيضا قصائد عموديّة موزونة. كلّ  العناصر تشدّ بعضها بعضا كالجسد الواحد ليكون البيت ” محراب في كفّي” متينا ومتكاملا . هذا الاختلاف في التأويل يثري العمل الابداعي وأعتبره نجاحا في حدّ ذاته.

5/ما دلالة المحراب والكف في عنوان كتابك؟

المحراب و الكف والكتابة من خلال الرّموز. منذ القدم وفي جميع الحضارات كان للرمز قيمة كبيرة وهو يحمل رسالة ومعنى وحتى يسبّب البركة أو اللعنة. لذلك أردت ومن العتبة الأولى أي العنوان أن أشدّ القارئ و أفتح باب التأويل وأدعوه إلى فكّ الرموز وبناء المعنى.

وهنا أريد أن أعبّر عن امتناني وشكري لدار الكتاب التي احتضنت هذا العمل وشكر خاص على هذا الاختيار الواعي للوحة الغلاف التي تطرح أكثر من قراءة سيميائيّة و تضيف حقيقة للعمل منذ العتبة البصريّة الأولى للكتاب ليجد القارئ نفسه في عوالم المحراب والمناخات الصوفية وربط العلاقة والمسافة بين الروح والجسد كتكامل وتناقض وانجذاب وتنافر في نفس اللحظة. وهذا التناقض هو الاكتمال في أقسى تجلياته ولكنه لا يكون إلا من خلال الابحار نحو الضفة الأخرى التي تسكننا ويجب أن نصل اليها من خلال رحلة الحياة.

6/ ما هي المدرسة الأدبيّة التي تأثرت بها في إخراج هذا المولود السردي الجديد؟

في الحقيقة أنا ابنة عديد المدارس الأدبيّة وأجد صعوبة حقيقية في تحديد انتمائي الى مدرسة معيّنة ولا أحبّذ هذا التضييق على الكاتب والعمل الابداعي. انا ابنة ما قرأت وابنة جميع النصوص الجميلة التي أثّرت في أفكاري وفي لغتي وفي تشكيل وعيي باللغة والكتابة والاشياء من حولي. ليست النصوص الأدبيّة فقط بل كل ما ينتمي الى الفعل الابداعي وخاصة الفن التشكيلي، المسرح، الموسيقى، السينما و غيرها…أجدني في الواقعيّة الرومنسيّة …أجدني أيضا في المدرسة الرمزيّة …أيضا أنا متأثرة وهذا يتجلّى في منعرجات كتابي بالمدرسة الواقعيّة الجديدة….لذلك الأهم من المدرسة الأدبيّة هو النص وما يطرحه من تجديد.

** كلمة الختام

كل الشكر لكم على هذا الاهتمام و اﻹحتفاء الجميل بحرفي. محراب في كفّي هو مولودي الأدبي السابع وأعتبره حلقة فارقة في مشروعي الأدبي وأرجو أن يحلّق عاليا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button