المصري بره.. والهندي بهر جاف

النشرة الدولية –

أقوم صباحاً، فأجد الإفطار جاهزاً. أشكر «جيما» وأغادر البيت بسيارتي التي قام «كارل» بتنظيفها. أقودها لمحطة الوقود القريبة وأملأ الخزان بالبنزين، وأناول صديقي السريلانكي «رانتا» بطاقتي المصرفية ونصف دينار لأرى ابتسامته الجميلة.

أتجه صوب مكتبي، وأجد فنجان القهوة بانتظاري، مع تحية الصباح من «ألفت». يرن هاتفي لتخبرني مدبرة المنزل أن البراد لا يعمل، ومكيف الصالة يصدر صوتاً غريباً. أتصل بشركة الحساوي لإصلاح البراد، ومكالمة أخرى للسيد «صابوني» لصيانة المكيف!

أعود لقراءة رسائلي، ولكن يبدو أن هذا اليوم لن يمر بسلام، حيث دخل المشرف «مناف» الهندي ليخبرني أن المياه انقطعت.

اتصلت بقريب يعمل في مكتب وكيل الماء، فقام بالاتصال بشركة صيانة الشبكة في صبحان، وخلال نصف ساعة حضر «عمال باكستانيون» وتم حل الإشكال.

خرجت من المكتب ظهراً لأتسوق. خباز الجمعية الإيراني كان جاهزاً لتسليمي «خبز أكسترا بالسمسم». دخلت الجمعية وطلبت من العامل البنغالي مساعدتي في دفع العربة وفي البحث عن حاجاتي من على الرفوف.

في طريق العودة للبيت تذكرت موعد تنظيف الأسنان في عيادة د. حسام. وجدت رسالة منه بانتظاري يعتذر فيها، وأن مساعدته النيبالية «هانتا» ستتكفل بالتنظيف!

خرجت من العيادة إلى مخبز «مستر بيكر»، حيث أوصيتهم قبل يومين على كعكة عيد ميلاد حفيدتي «لورا»، وكيكة «ترضية» للحفيدة الأخرى «الجازي». كانت البائعة الفلبينية «جوي» كريمة بإصرارها على المساهمة في العيد بكيس صغير من قطع الشوكولاتة.

في طريقي للبيت شعرت بأن مقود السيارة يميل إلى اليسار بقوة، وخلال لحظات ظهرت أمامي إشارة تعلمني بأن هناك عطلاً في أحد الإطارات، غيرت اتجاهي لورشة صديقي السوري «حمو»، الذي يدير ورشة الجمعية، اهتم بالأمر، وخلال دقائق كنت في طريقي إلى البيت مع ابتسامة من حمو.

ذهبت عصراً إلى أرض المعارض لأخذ الجرعة الثالثة. وجدت أن غالبية من اهتم بأمري وعشرات الآلاف غيري كانوا من جنسيات متعددة.

خرجت سعيداً من هناك متجهاً إلى مكتب المحامي لمتابعة قضية رأي رُفعت ضدي، فاستقبلني المستشار حمدي صبري، وأكد قوة موقفي، وأن معقب القضية «جلال» سيهتم بالأمر، وطلب من الفراش البنغالي اللطيف «عبدالسلام» قهوة «للبيه»!

أنهيت يومي المتعب بالمرور على محل إلكترونيات اليوسفي، حيث اشتريت من البائع اللبناني جهاز تلفزيون بشاشة ضخمة، ووعد «مارون» أنه سيحضر شخصياً للبيت للإشراف على تركيبه.

وصلت البيت، فقالت لي الطباخة إن بالوعة المطبخ الخارجي «طافحة». كانت الساعة تشير إلى السابعة مساء. اتصلت بورشة الصحي في الجمعية فأرسلوا فوراً المعلم، تبين أنه عراقي واسمه «سعد». قام بالواجب خير قيام!

تساءلت بيني وبين نفسي وأنا أضع رأسي على المخدة، ما كان سيكون عليه الحال لو لم يكن كل هؤلاء موجودين حولي، هذا غير آلاف المدرسين والأطباء والسائقين والممرضين وفنيي أشعة و«إم آر آي» وسونار ومزارعين وكتبة وبائعين وقصابين وكهربائيين ولحامين ودهانين وعمّال بناء، وسائقي رافعات ومشغلي آلات رصف الطرق، وعشرات آلاف الجنود المجهولين العاملين في محطات الكهرباء، ومحطات تقطير المياه، وحقول البترول، الذين يعملون طوال ساعات الليل والنهار في العراء، وتحت درجات متطرفة، غير عشرات آلاف رجال الأمن في أكثر الأماكن خطورة وحساسية، كل ذلك لكي ننعم جميعاً بكل هذه الخدمات، ثم يأتي «جاهل» ويقول ما نبي مصريين، ما نبي هنود، ما نبي أجانب، وهؤلاء الجهلة سيكونون أول من سيصرخ موجهاً اللوم للحكومة لأن الخدمات تردت، والعمالة فقدت، والأجور ارتفعت!

كراهية الأجنبي، الوافد أو المقيم، ظاهرة تشمل كل دول العالم من دون استثناء تقريباً. فغالبية البسطاء ينظرون لهؤلاء المهاجرين نظرة شك وعبء أمني واجتماعي، ويشكلون منافسة لهم في سوق العمل. كما يعتقد البعض أن وجودهم يشكل ضغطاً على الخدمات والبنية التحتية، هذا غير مشاكلهم الأمنية.

الحل ليس في طرد «الأيانب»، بل في تطبيق القانون وتغليظ عقوبة المتاجرة بالإقامات، وتسهيل دخول من تحتاج لهم الدولة وترحيل العاطلين عن العمل، وهذا ليس بالأمر المستحيل، إن استبعدت مصالح المتنفذين!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button