بين الألم والامل.. شهادات حية لمصابي السرطان
المغرب – مليكة أقستور
كصحفيين ننقل لكم الحقيقة كما هي، بضمير مهني نقي، لا تشوبه أية شكوك أو كذب. نقسم بأن نكون صوت من لا صوت له رغم ايماني بأن لكل منا صوته الخاص.
هكذا واعدت نفسي منذ طفولتي. أن أوصل صوت المظلومين.، أن أدافع عن حقوق الناس وأن أفضح كل فساد.
الى جانب نشر قصص الناس للناس، لربما يتحمس بعضهم، لربما يتوقف الاخر عن التنمر، لربما يساعد الناس على العمل معًا.
إنها قصص ومواضيع كثيرة تحتاج أن نكتب عنها، أن نعيرها اهتماما لعلنا نغير شيء ما ونساهم في النهوض بالأوضاع الاجتماعية وقتل كل ما يضر بالمجتمع.
وبين هذا وذاك، وجدت نفسي أنقل لكم قصص كنت جزءا منها، أعيشها بكل تفاصيلها، بل سبق لي وان عشتها ولم اكن أتصور يوما أن أعيد عيش مرارتها.
وبما أننا نحن الان في شهر أكتوبر، قررت أن أنقلكم معي في رحلتي مع مرضى السرطان. ففي هذا الشهر من كل عام نبدأ مبادرة التوعية حول سرطان الثدي، حيث يتم توعية النساء بمخاطر السرطان وضرورة الفحص المبكر. ففي كل بقاع العالم تتجسد هذه المبادرة من خلال حملات عديدة ومتنوعة.
“السرطان”، او المرض “الخايب” كما يلقبه المغاربة أي المرض “الخبيث”. لا يزال يواصل الفتك بأرواح وأجساد ضحاياه.
أول مرة أصادف فيها هذا اللعين حين كان عمري لا يتجاوز العشر سنوات، أصيب به أبي رحمة الله عليه. كان أبي مدمنا على تدخين السجائر، فأصاب المرض رئتيه، ولم نكتشفه الى أن انتشر في أجزاء أخرى من جسمه ولم ينفع معه العلاج، حينها لم أكن أعلم شيئا عن المرض الا أنه كان السبب في وفاة أبي.
مرت السنين وأصيبت به جدتي، والدة أبي. هي الاخرى لم نكتشفه الى أن فات الأوان ولن ينفع معها أي علاج. كنت حينها في الثامنة عشر مع عمري، كانت فترة شاقة جدا. ولن أدخل في تفاصيلها. توفيت جدتي وأصبح السرطان أكثر شيء أمقته، وأكره حتى سماع اسمه.
مرت السنين وأنا احاول أن أتفاءل بأن المرض له علاج، وأن أمسح من ذهني فكرة أن السرطان يساوي الموت لا محالة. وبدأت أعتاد وأحاول جاهدة الى أن جاءنا مجددا هذا الزائر الغير المرغوب فيه وطرق أبوابنا و لم نستطيع صده وأصيبت به جدتي والدة أمي، كنت حينها انا من تلقى الخبر من الطبيب، كنت باردة جدا في انفعالي بل لم أصدر حتى صوت لأنه بالنسبة لي السرطان هو الموت. بل ذهبت بي مخيلتي بعيدا وتخيلت جدتي محملة في صندوق الموتى.
قال الطبيب ان حجمه كبير ولكن هناك امل للشفاء، لكني نظرت اليه كأنني أعاتبه بعيني وأقول “لماذا تكذب؟” لكن سرعان ما تسلحت بالأمل، وخرجت لساحة المعركة. بدأنا رحلة العلاج وبدأت معه رحلتي مع مرضى السرطان.
وهنا، بالمركز الجهوي للأنكولوجيا بمدينة أكادير. التقيت بالعديد من المرضى وكنت حين أعود للبيت أتخيل وجوههم وآلامهم وقصصهم التي ألمتني، فهناك من أصيب مجددا بالمرض. تقول عائشة ( اسم مستعار) عن تجربتها مع المرض أن عودة السرطان هو عودة الصدمة والخوف، هكذا أحست عند التشخيص الاول للمرض، كما ساورها الشعور بعدم التقبل من جديد.
” كانت رحلة علاجي الأولى صعبة للغاية، أصبت بسرطان الثدي. فخضت لعملية استئصال الثدي، الى جانب العلاج الكيماوي والإشعاعي، والحمد لله شفيت من السرطان تماما، الى أن اكتشفت مجددا كيسا صغيرا في ثديي الايسر وبعد مراجعتي للطبيب تبين انه السرطان. تفاجئت بإصابتي به مجددا، بعد مرور أربع عشرة سنة”
“حينما أخبرني الطبيب سقطت أرضا بهول الصدمة، أبكي ليل نهار، لم أكن أتصور أن يعود لي المرض مجددا. العلاج الكيماوي أتعبني بل أنهكني جدا، أصيبت بمرض القلب وأنا الان أخد دواء للقلب ومناعتي منخفضة، لكنني أحارب جاهدة وما زلت أحارب، حيث أنهيت العلاج الكيماوي، والان أتلقى العلاج بالأشعة، لم يتبقى سوى جرعات إشعاعية قليلة، وأتمنى من الله الشفاء” تقول عائشة.
ولم تنس عائشة ما أسمته “رجولة زوجها” في الوقوف الى جانبها ودعمه لها طيلة حياتهما الزوجية، لاسيما فترة المرض. وتضيف مفتخرة: “ابني الأن طالب في السنة الثانية في كلية الطب، ابني سيكون طبيبا قريبا ان شاء الله”. تابعت والبسمة لم تفارق شفتيها مؤكدة أنها تستمد الطاقة من أفراد أسرتها خصوصا عندما رأت أن حبهم لم يتغير، مضيفة أن نظرة الناس تؤلم أحيانا، خصوصا حينما يأتي أحدهم لزيارتها وينظر بغرابة الى رأسها الاصلع (كما تقول).
وتضيف مبتسمة ” في إصابتي الأولى كان زوجي وأختي من حلقوا شعري، كان شعري أسود رطب وطويل جدا، ضفرت شعري وقصه زوجي، احتفظت بضفرتي لمدة طويلة، حينما بدأوا بحلق شعر رأسي لم أتوقف حينها عن البكاء، أما هذه المرة فقد رفض زوجي وأبنائي تحليق شعر رأسي، لكنني حلقته لنفسي بعد أن كنت وحيدة بالمنزل لأنه كان يزعجني تساقطه المفرط جراء العلاج، كنت أخاف أن يسقط وأنا أعد الاكل لأبنائي، فكلما استيقظت وجدت وسادتي ممتلئة بشعري وهذا كان يُؤرقني، فلم أجد سوى حل واحد الا حلقه”.
وعن تجربتها مع المرض، أشارت الى أن نفسية المريض تتحكم في سير العلاج ونسبة نجاحه، فكلما تحلى بالقوة وحافظ على معنوياته مرتفعة كان العلاج أقل ضررا بسبب تقويتها الجهاز المناعي، ولفتت إلى أن “هذا المرض يحتاج للقوة والايمان والصبر، فمن تسلح بهم سيستطيع التغلب على الخوف ويواصل رحلة علاجه”.
اما فاطمة ( سنة 44) فتتذكر بحسرة تهاونها مع المرض، قائلة “بعد ان أنجبت طفلتي، كنت أحس بآلام في بطني، وبانتفاخها كان الجميع يظن أني ما زلت حامل. لكني تهاونت ولم أقوم باستشارة الطبيب لأني ظننت أن الشيء عادي جدا خصوصا بعد الانجاب ولكن بعد مدة تزايدت الالام وبعد استشارتي الطبيب واتمامي الفحوصات الطبية تبين انه المرض اللعين.” وذكرت بأن الورم كان حجمه كبير جدا، لدرجة أن الطبيب الذي أجرى لها العملية اضطر لاستئصال كليتها، لأنها كانت محاطة بالورم.”
وتواصل فاطمة سرد قصتها والدموع منحصرة في عينيها، موضحة، بأنها تداركت الامر سريعا وقررت خوض التحدي مع المرض الخبيث بدل الاستسلام للحزن. وأوضحت أنه بعد الصدمة النفسية التي منيت بها جاء الدور على الصدمة المالية لغلاء الادوية وأيضا تكاليف التنقل الى مدينة أكادير. وكشفت عن أنها اضطرت لأن تستأجر غرفة هنا بالمدينة، لتكون قريبة من مركز العلاج .
رجل اخر يدعى “محمد” استبد به المرض حيث تحولت بنيته القوية الى شبح هزيل ليبدأ رحلة العلاج الشاقة. حاورت زوجته التي ترافقه لعدم قدرته على الكلام. فقالت ” كانت لديه الام في الضرس الا أنه أبى أن يذهب للطبيب لاقتلاعه، بعد مدة بدأ بالانتفاخ مع تزايد حدة الالام، بعد استشارة طبيب وبعد الانتهاء من الفحوصات تبين أنه السرطان، أصبت بصدمة كبيرة وندم شديد لضياع الوقت” تقول منحسرة ومحملة إياه مسؤولية التهاون، أشعر بمشاعر مؤلمة جدا، فقد كاد أن يموت، أصيب بنزيف أدخله للإنعاش لسبعة أيام، ظننت أنه الموت”.
ومع تنامي آلامم المرضى عادة ما تتفاقم الحالة النفسية لذويهم، فهم كذلك يتألمون، ومنهم من أتعب المستشفى حالتهم النفسية. تقول كريمة : وأضافت “بعد كل ما أراه يوميا هنا، أصبحت أتوهم أنني مصابة بالسرطان، كلما احسست بألم في مكان ما في جسمي أحسست بهلع يعتريني لخوفي الشديد من أن أصاب به”.
وذكرت ” لا أظن أنني أستطيع أن أتحمل هذه المعاناة، فأختي تتعذب كثيرا وأنهكها العلاج، لا تستطيع أن تأكل شيئا، ومعاناتنا ليست فقط مع السرطان فأختي مريضة نفسيا وتأخذ ادوية الاعصاب، هي لا نعلم حتى ما هو السرطان، نعاني الأمرين، ونفسيتي أصبحت منهكة جدا”
“كانت تعاني في الام في ضرسها، أخدنا للطبيب واقتلعنا الضرس لكن الالام استمرت، وبعد أن ألقيت نظرة في فمها لاحظت بضع ثقوب في لسانها، أحسست بالدعر وأخذناها مجددا للطبيب، للأسف تبين بعد الفحوصات أنه السرطان”. وتضيف والخوف يمتلكها ” أصبحت خائفة جدا وما أراه هنا بشكل يومي يزيد من مخاوفي بالإصابة بهذا المرض”.
وبين قصة وقصة، هناك أمل يبرق في عيني المرضى وتشبتهم بالحياة رغم أنه هناك من أصيب به ولم يتقبل فيدخل في دائرة سوداء من اليأس وتعانقه الالام النفسية أكثر من الجسدية.
ولأنني اليوم جزء من القصة، ما رأيت وما أراه يدفعني الى طرح العديد من الاسئلة، هل المرض وراثي؟ هل يمكن أن نحمي أنفسنا قبل أن نصاب؟، كيف نعلم أننا أصيبنا؟ هل سيواصل المرض العودة الى اجساد المرضى؟
أسئلة عديدة تدور في فكري، وقررت أن أتوجه بها قريبا إلى مختصي في مرض السرطان، لأنقلكم معي في رحلتي مع مرضى السرطان.