بين التفاوض الاستراتيجي والتفاوض التكتيكي
بقلم: أ.د. غانم النجار

النشرة الدولية –

قامت الكويت وأُسست على مبدأ التفاوض بين الأطراف المجتمعية الفاعلة، بمن فيها أسرة الحكم. والتفاوض نوعان؛ أحدهما استراتيجي، وهو القائم على منهج إدارة الدولة، وصلب اتخاذ القرار، وفي إطاره لا يذهب الحاكم بعيداً في الاستئثار بالسلطة، مهما شعر بأنه قوي. أما التفاوض التكتيكي فهو مشابه لما يعرف باسم الحوار؛ قد يحل مشاكل جزئية قائمة، لكنه لن يؤثر كثيراً على بنية النظام. وكان من أمثلة ذلك هجرة تجار اللؤلؤ، احتجاجاً على سياسات انتهجها الشيخ مبارك الصباح، مما اضطره لبذل كل الجهود لإقناعهم بالعودة، وتقديم التعهدات الغليظة على نفسه حتى عادوا. حادثة أخرى، في السياق الاستراتيجي للتفاوض، حدثت عند وفاة الشيخ سالم المبارك سنة 1921، وتحرك عدد من شخصيات الكويت بعريضتين، وضعوا فيهما شروطاً لكيفية اختيار الحاكم القادم، فرشحوا ثلاثة من الأسرة للحكم هم الشيوخ أحمد الجابر وعبدالله السالم وحمد المبارك، مطالبين بإنشاء مجلس شورى، وكان أن وافق الشيخ أحمد الجابر على تلك الشروط، وأصبح بعدها أميراً على البلاد.

صحيح أن مجلس الشورى لم يعمر طويلاً، لكنه وضع اللبنة الأولى للصيغة المؤسسية في الحكم، بل إن ترشيح 3 أسماء لولاية العهد صار متبعاً في الدستور، بل حتى في غياب المجلس بعد وفاة الشيخ صباح السالم وتولي الشيخ جابر الأحمد للحكم، تم ترشيح ثلاثة لولاية العهد هم الشيوخ سعد العبدالله وصباح الأحمد وجابر العلي، وانتهى الأمر باختيار الشيخ سعد العبدالله ولياً للعهد.

كان التوجه التفاوضي الاستراتيجي ذاته هو ما حدث في انتخاب المجلس التشريعي 1938، والذي تجاوزت صلاحياته الحاكم، حتى حدث الصدام، وتوقف منهج التفاوض إلى حين وفاة الشيخ أحمد الجابر في يناير 1950. ثم عاد المنطق التفاوضي مجدداً بعد تولي الشيخ عبدالله السالم للحكم، فبدأت انتخابات المجالس المتخصصة في 1951، واستمرت بين مد وجزر، مدعومة ببدء التحول الكامل في موازين القوى بعد هيمنة الحكومة / الأسرة على مداخيل النفط المتزايدة، وتراجع دور الفئات التجارية في عملية اتخاذ القرار، بعد تحولها إلى أنشطة اقتصادية مرتبطة بالحكومة، والمناقصات والاستيراد والتصدير.

وربما كانت آخر محطات التفاوض الاستراتيجي بين القوى المجتمعية والأسرة الحاكمة في إنجاز دستور 1962، ومنذ ذلك الحين حدث تراجع كبير في العملية التفاوضية الاستراتيجية حتى كادت تختفي.

تغيرت موازين القوى، فغاب التفاوض، وضعف الحوار. وللحديث بقية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى