تحقيقات البيطار تهدّد الحكومة اللبنانية وتفجّر العلاقة بين الحلفاء
جريصاتي: “واصلة معنا لراس مناخيرنا من حزب الله”
النشرة الدولية –
نداء الوطن – غادة حلاوي –
أبعد من مشكلة انعقاد جلسة حكومية هو ذاك الخلاف الذي طفا على السطح بين “حزب الله” وحليفه “التيار الوطني الحر”، لا سيما في ضوء ما نقل عن لسان مستشار رئيس الجمهورية سليم جريصاتي “واصلة معنا لراس مناخيرنا من حزب الله”، في دلالة على استياء من موقف الثنائي الشيعي داخل الجلسة الاخيرة للحكومة على خلفية الموقف من المحقق العدلي طارق البيطار، وقبله موقف الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، واعتبر عون و”التيار” ان “حزب الله” ذهب بعيداً ورفع سقف المواجهة بما صعّب ايجاد المخرج. ردّ “حزب الله” على كلام جريصاتي جاء مماثلاً حيث علقت مصادر مطلعة بالقول ان “حزب الله هو من وصلت معه لراس مناخيره وليس العكس”. توتر على جبهة الحلفاء فرض تدخل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتليين الاجواء في ما بينهم، وايجاد المخرج المناسب لمسألة تنحية القاضي طارق البيطار عن ملف التحقيق بانفجار المرفأ. كل الاقتراحات باءت بالفشل بما فيها الصيغة التي طرحها وزير العدل هنري خوري. وقد وجد مجلس الوزراء نفسه امام مخاض عسير فكان الحل بتأجيل الجلسة عوض تفجير المجلس برمته. فهل يفجّر ملف البيطار حكومة ميقاتي؟
توافق رئيسا الجمهورية والحكومة على ان “حزب الله” رفع سقف المواجهة مع المحقق العدلي الى حد الإحراج. فرئيس الجمهورية ميشال عون لم يتوانَ عن التعبير عن استيائه لتعاطي وزير الثقافة خلال الجلسة وطريقة مخاطبته رئيس الجمهورية، والاصرار على تكراره عبارة “من أمثل” ما دفع عون للقول “اعرف من تمثل واي جهة تمثل ويجب الا نهدد بالشارع فلكل شارع شارع آخر بالمقابل”. استغربت مصادر حكومية ان يفرض على الحكومة اتخاذ موقف من قضية شعبوية بهذا الحجم، بغض النظر عما اذا كان عمل البيطار صواباً ام خطأ، فالطريقة التي تم التصرف خلالها في مجلس الوزراء لا تليق بحكومة يفترض ان تحظى بثقة الداخل والخارج.
واعتبر عون و”التيار الوطني الحر” أن لا وسيلة قانونية لكف يد البيطار، فإما ان يتنحى من تلقاء نفسه او من خلال قبول المحاكم بالدعوى ضده. ضمناً يعتبر الطرفان ان الموضوع بالغ الحساسية مسيحياً، في المقابل يتجنب عون التصادم مع حليفه بدليل مسارعته الى ارجاء الجلسة، في محاولة لايجاد مخرج بعد التواصل مع الثنائي الشيعي. كشف ما حصل عن أزمة ثقة حقيقية بين الثنائي الشيعي ومن يقف وراء المحقق العدلي. والمقصود هنا ليس “التيار” ولا عون حيث تجزم مصادر مقربة من الرئاسة الاولى ان عون لم يسمع صوت البيطار ولم يقابله في حياته ولا يعرفه، انما الكلام عنه بدأ يأخذ أبعاداً بعد ان سمع مخاوف الشيعة انه بوارد اتهام “حزب الله”.
طوال يوم امس انشغل رئيس الحكومة على خط رأب الصدع الحكومي وتليين الموقف بين عون والثنائي الشيعي وتأمين مخرج لانعقاد جلسة هادئة للحكومة. لكن الثنائي الشيعي كان موقفه حاسماً ان لا عودة الى الوراء ولا جلسة حكومية الا بعد معالجة مصير المحقق العدلي. المخرج القانوني الوحيد بالنسبة للثنائي هو ان يتولى مجلس القضاء الاعلى كف يد البيطار عن الملف والمجلس يرفض. صار مصير الحكومة معلقاً على معجزة إيجاد حل بين تطيير البيطار أو تطييرها.
بعدما كان بوارد التجييش في الشارع اكتفى “حزب الله” بالدعوة الى وقفة رمزية. التحركات في الشارع ليست جوهرية ولا هي اساسية بينما الجوهري هو الضغط السياسي. ومن وجهة نظر الثنائي :”ان يتعطل مجلس الوزارء افضل من ترك المحقق العدلي على موقفه في ما ينوي فعله، أما التهديد بأن لكل شارع، شارع يقابله فاذا حصل تكون بذلك قد تحققت غاية البيطار والسفارة الاميركية التي تقف خلفه، وحصل المشكل المطلوب بلوغه قبل الانتخابات النيابية”.
يستغرب “حزب الله” كيف “ان الوزراء وافقوا على مطالعة وزير الثقافة محمد وسام مرتضى القانونية داخل مجلس الوزراء، وأكدوا على المنحى الشعبوي والمسيّس لقرارات البيطار من دون اتخاذ اي اجراء يوقف عمله. فهل المطلوب السكوت والتزام الصمت بينما تظلم فئة بحالها وتتهم من دون وجه حق بمقتل 200 مواطن وتدمير نصف مدينة”. لن يقبل “حزب الله” بتحميله جريمة المرفأ وبالتصويب باتجاهه مهما كلف الامر. صحيح أن أيّاً من وزرائه لم يرد اسمه في التحقيق ولكن القرار الظني وفق ما توافر لديه من معطيات تكفي للبناء عليها، بدليل تصويبه على جهة واحدة دون أخرى وإصراره على توقيف اشخاص من دون الاستماع اليهم. إستهداف البيطار واضح بالأدلة والبراهين من ناحية “حزب الله” فهل يسلّم ويرضى بما يطبخ له؟ وان يكون من فجّر المرفأ هم المسلمون؟
يرفض “حزب الله” اعتبار موقفه تدخلاً في القضاء “لان القضاء هو الذي يتصرف من خارج الوجهة القانونية، وهو المسيّس وهو الانتقائي ولذا فلن نقبل ان يظلم او توجه لنا اتهامات ظلماً وعدواناً. ولذا فجلسات الحكومة ستبقى معلقة الى ان يتم ايجاد الحل”.
لعلها المرة الاولى التي لن يهادن فيها “حزب الله” مع خصم سياسي او حتى مع حليف، طالما الامر يتعلق بقضية المرفأ وما يعتبره ظلما لاحقا به. وللمرة الاولى يظهر “حزب الله” غضبه من الحليف الذي يجاهر بتأييده للبيطار. ويكفي للدلالة على عمق المشكل بين الطرفين ما قاله وزير العهد سليم جريصاتي وحرفيته: “نحن واصلة معنا لراس مناخيرنا من حزب الله”، وعلم به “حزب الله” ليرد عبر مصادره المطلعة “نحن اللي طالعة معنا لراس مناخيرنا”، وحين يتحدث “حزب الله” بهذه اللهجة فلا يقتصر كلامه هنا على جريصاتي وحده فالوزير السابق لا يتفوه بمثل هذا الكلام اذا لم يكن قد نال تأييد داعميه. خطورة ما يتعرض له يجعل “حزب الله” غير مستعد لتدوير الزوايا او المهادنة او مسايرة حتى الحليف.