المثقفون أول من يدفعون ثمن الحرية وآخر من يقبضون جوائز الديموقراطية
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
يعتقد الكثيرون أنهم بمجرد نيل الحرية من الأنظمة الاستبدادية ستنتقل الشعوب لمرحلة الديمقراطية الحقيقية، ويذهب البعض إلى أنهم قد يتولون زمام الأمور بفضل قواعدهم الإنتخابية والشعبية، غير مدركين بأن ما بين الحرية والديموقراطية بون شاسع من التحديات ومسافة طويلة تحتاج لإحداث تغيرات في المجتمع وبنيته وفكره وثقافته، وقد تصل الفترة الزمنية ما بين الحرية والديموقراطية إلى عقود طويلة، وربما قرون من عدم الاستقرار ومن العمل الدؤوب في تحديث فكر المجتمع والنهضة بالأحزاب والشباب حتى يدرك الجميع حقوقهم وواجباتهم، وعندها نبدأ بالحديث عن نظام ديمقراطي سليم متواصل، وليس ديموقراطية مرحلية تنتهي على أبواب أول ديكتاتور يصل لكرسي الحكم.
وتنشأ الحرية ويتم الخروج على الديكتاتوريين حين ينتهي الخوف من النفوس وتتساوى معايير الموت والحياة، فلا يبقى لدى البشر إلا الضغط ومواجهة التحدي، وهنا ترفض الجيوش الوطنية المبنية من جموع الشعب تنفيذ أوامر القادة بقتل المواطنين، لتتغير المعادلة وتصبح القوة بيد المظلومين المقهورين وعندها يسقط الطغاة، ويبدأ الجميع بالبحث عن الديموقراطية والحريات وتوفير حياة أفضل للشعوب، لكن في الغالب تبقى الأماني أماني لا تتحقق بسهولة، فما بين الحرية والديموقراطية طريق شاق فيه الكثير من العقبات التي تحتاج للعمل، كما وتحتاج إلى فترة أخرى لأجل التحول حتى يعتاد الشعب على الديموقراطية الحقيقية وليست تلك الصورية المزيفة.
وتنجح الشعوب في نهاية الأمر في الوصول للديمقراطية إذا كانت هي الهدف الرئيسي للحرية بعد أن تتجاوز مراحل التحدي، والتي تكون بدايتها بانتشار الفوضى فالعنف في ظل الفراغ السياسي أو السياسة العنصرية القائمة على التفرقة والاحتماء بالأجنبي، لتنتقل الدول لمرحلة جديدة تقوم فيها بمحاولة صنع ديكتاتوريات جديدة من قبل الباحثين عن السلطة من رجال السياسة والجيش، وفي حال إفشالها تنتقل الشعوب لمرحلة تقبل الآخر والتي تلغي الفكر الديكتاتوري ، وتقودهم إلى بناء الأحزاب على أسس وطنية يتبعها حرية التصويت ونزاهة الإنتخابات، والتركيز على إلغاء الضغوط المتنوعة على المقترعين والعاملين، وهذه العملية تحتاج لسنوات ليست بالقصيرة من أجل جعل الجميع يذهبون مباشرةً صوب الديمقراطية، وهنا يتعاظم الأمل بأن تقودهم هذه العملية صوب الحلم الوردي بالوصول للازدهار الاقتصادي والعدالة الإجتماعية والتنمية، وهذه أمور إذا لم تتوفر ستكون الديموقراطية مجرد ثوب يرتديه أشخاص يقودون البلاد لمصالحهم.
ما يحصل ليس بالأمر الجديد، فقد احتاجت جميع الدول التي تحررت إلى سنوات من العمل حتى تصل إلى التبادل السلمي للسلطة، وتسليمها بكل هدوء ودون مجازر ومذابح، وقد تصل المناوشات بين المتنافسين في حدها الأعلى إلى تبادل التهم، التي تنتهي وتتوقف مع نهاية العملية الإنتخابية وتولي الرئيس الجديد منصبه الرئاسي، لكن في العالم العربي وبقية دول العالم الثالث لا زالت الحرية من قيد دكتاتور تعني العبودية لديكتاتور آخر، وبالتالي تتغير الصورة ويبقى النهج ثابتاً بانتظار التغير الثقافي الشامل، وارتقاء الفكر من تبادل الرصاص إلى الحوار بالآراء، ومن ثقافة الأنا إلى رؤية نحن، ومن رفض الآخرين إلى تقبلهم، ومن السيطرة الحيوانية إلى العمل الإنساني، لنجد أن ألد أعداء الدكتاتوريين هم صُناع الثقافة والفكر ليكون هؤلاء أول من يدفع ثمن الحرية وآخر من يقبض جوائز الديموقراطية.