“بعد السنية السياسية تتهاوى الشيعية السياسية كمشروع”
بقلم: الدكتور رائد المصري
النشرة الدولية –
بهدوء…فلم أتطرَّق بعد الى حوادث وتداعيات الشياح وعين الرمانة المؤسفة لكن رحمة بعقولنا فقط:
وطبعاً كلُّ القوى والأحزاب الحاكمة هي طائفية ودينية وفئوية من دون إستثناء، لا نُؤمن فيها ولا بمشاريعها السياسية، ولكن نسأل السلطة الحاكمة منذ إنطلاق ثورة 17 تشرين كحركة إصلاحية أنَّه:لماذا لم تقْبَعوا الحاكم الفاسد رياض سلامة الذي دمَّر البلد والمصارف وأفْقَر الناس..؟ فيجيبوننا أنَّهم غير قادرين لأنَّه مدعوم أمريكياً..
ونعيد ونسأل ذات السلطة الحاكمة وأحزابها أنَّه لماذا تريدون أن تقبعوا القاضي طارق البيطار..؟ فيجيبوننا لأنَّه مدعوم من الأمريكيين…إنه الإنفصام بعينه وخواء المشروع السياسي…
بعد أحداث الشياحعين الرمانة المُؤسفة والمقزِّزة، والتي بدأت على خلفية تظاهرات سلمية أمام قصر العدل في بيروت إحتجاجاً على القاضي البيطار وإستنسابيته، والتي إنتهت بضحايا وتخريب وإيذاء..وذات القوى السياسية التي تعترض عمل القاضي وتحقيقاته في المرفأ تريد تحويل أحداث الشياحعين الرمانة الى المجلس العدلي(ونحن طبعاً مع العدالة والقضاء للإقتصاص من المرتكبين)..لكن بقي الإنفصام السياسي متجلِّياً…لا نريد القضاء في المرفأ ونريده في أحداث الشياح_عين الرمانة..أمرٌ غير مفهوم…
في الخلاصة هي لُعبة شدّ العَصب الطائفي، ومن ثم المذهبي على أبواب الإستحقاق الإنتخابي لقوى وأحزاب وزعامات فقَدت مصداقيتها وشعبيتها أمام جمهورها، بسبب الفساد والإرتكابات بحق الدولة والمواطن، وبسبب حماية بعضها البعض من المحاسبة أمام القضاء..
فكلٌّ منهم عاد لِيُلَمْلِم ما تبقَّى في حظيرته وتجميعهم في خطاب فئوي طائفي ومذهبي تضليلي، ويريدون تهديد الشعب بالحرب الأهلية وهم أجْبَن من القيام بها، حتى لا تُضرب مصالحهم وأموالهم ومؤسَّساتهم التي كسبوها من الدولة وأموال الشعب..
فمشروع النظام السياسي اللُّبناني لهذه القوى كلها إنتهى:
فلا الثنائي الشيعي قادر على تسويق خطابه السياسي ومشروعه بعد، في ظلِ الإنهزامات الداخلية المتكرِّرة،فلا هو قادر رغم قوته العسكرية على حكم لبنان بالسيطرة والإستحواذ كاملاً، ولا هو قادر على الدخول في حروب بينية صغيرة،وليس هناك من شخصيات داخله تستطيع إعاد صياغة خطاب سياسي يتلاءم مع مرحلة التحوُّلات الكبرى في لبنان والإقليم..
ولا القوات اللبنانية المُمْعِنة بالفئوية والإستقطاب الطائفي المتطرِّف، قادرة على إستكمال مشروعها رغم ركوبها على أكتاف شباب ثورة 17 تشرين عنوة..
ولا الخطاب العونيالباسيلي الذي إعتبر نفسه الرابح الأكبر في المعركة الأخيرة في زرب وتحجيم غريمه المسيحي جعجع، لأن الحقيقة لا تتجزَّأ والقضاء والإحتكام الى العدل لا يتجزَّأ، ومشروع سيادة الدولة لا تتجزأ، والعيش الوطنيالمشترك كما يدَّعون ويروِّجون لا يتجزَّأ، وكل حزب يأخذ شطيرته ليضعها في محميته…
هي معركة بين قوى تحالفت سابقاً فيما بينها على الحكم ونهْب الدولة ومقدَّراتها، واليوم تقتتل وتقدم الأضاحي والدم في صيغة تسويقية لمشاريعها، حيث لم تعُدْ تنفع معهم السِّنية السياسية التي أُقْصِيت وصارت خارج المعادلة السياسية، والجو المسيحي في مكان آخر بعد تفجير مرفأ بيروت، ومشروع الشيعية السياسية عاجز عن الإقلاع بعد أحداث حاصبيا وبلدة شويا وأحداث عرب الناعمة والأحداث الأخيرة في بيروت…فكما إنتهت وتبدَّدت مشاريع الطائفية السياسية في صيغة حكم عام 1943، وإنتهت بعدها السنِّية السياسية عام 2007 وصارت خارج اللُّعبة، اليوم تنتهي صيغة الشيعية السياسية كمشروع سياسي صار مليئاً بالتناقضات البينية وعبئاً مذهبياً على حامليها…
نقول ذلك ولا نأسف على هذه المشاريع التدميرية، فهي قد إنتهت من داخلها، لأنَّها حَمَلَت بذور تناقضاتها وفنائها.. فإرجعوا الى دولة القانون والمؤسَّسات وحرِّروا القضاء،وعودوا لبناء الدولة المدنية والعلمانية الديمقراطية، فهي التي تحفظ حقوق الناس وكراماتهم، وتحصِّن الوطن من الإعتداءات الخارجية، وتُمنِّع سيادته التي تآكلت وأكلتها ضباع الطوائف ونواطير المحميات وكلاب الحراسة…
د.رائد المصري/أستاذ محاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
كاتب سياسي لبناني وعربي.
مدير مركز الراصد الإخباري العربي والدولي.