في لبنان.. القتل مقابل العدالة
بقلم: فاروق يوسف
في الرابع من أغسطس 2020 فجر حزب الله ميناء بيروت. لم يقل القضاء اللبناني ذلك بشكل مباشر. في الحقيقة لم يجرؤ على قول ذلك. القرائن كلها تشير إلى تلك الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها إذا كانت المسألة تتعلق بمصير دولة وأحوال شعب.
ولكن ما المقصود بالدولة؟ أهي تلك التي يقودها ميشال عون رئيسا؟ تلك دولة هي من صنع حزب الله ولا أحد يثق بها. ليس هناك مَن يطمئن إلى حكومات تلك الدولة. لا لشيء إلا لأن رؤساء تلك الحكومات لا يملكون أي مشروع سياسي واضح. لا للحاضر ولا للمستقبل.
دولة لبنان وحكوماته ومجلس نوابه ليسوا سوى أدوات بيد حزب الله.حزب الله يدرك أنه حين يعتقل اللبنانيين في إطار فكرته عن العدالة ويبتز العالم فإن محاولته الخاسرة ستؤدي إلى أن يستمر العالم في إدارة ظهره للبنان
ما حدث قد حدث. كان انفجار ميناء بيروت مجرد حادث من وجهة نظر حزب الله. على الآخرين أن يرتضوا بذلك التقدير. ذلك حكم ينبغي أن يحل محل البحث القضائي. ذلك يعني أن عدالة حزب الله يجب أن تحل محل العدالة المطلقة. على العدالة أن تفتح الطريق على سعته لكي يمر المقاومون.
صار واضحا بالنسبة إلى اللبنانيين أن مشكلاتهم لن تُحل عن طريق تشكيل حكومة جديدة، كانوا يأملون بأن العالم سيتعامل معها بثقة ومن ثم تُستعاد الثقة بلبنان. فالحكومة، أي حكومة لن تقوى على فتح ملف انفجار ميناء بيروت. تلك مسألة لا يمكن تخطيها للوصول إلى لغة مشتركة مع العالم. يُريد العالم أن يفهم ما الذي حدث في بيروت يوم الرابع من أغسطس 2020. الحقيقة تقع هناك.
وُجدت العدالة من أجل أن ينال المجرمون عقابهم ومن أجل أن يكون مصير أولئك المجرمين عبرة لكي لا تتكرر أفعالهم. لا تقبل العدالة أنصاف الحلول. إما أن تكون كاملة أو لا تكون. مَن يجرؤ على إخبار حزب الله بذلك؟ القاضي طارق البيطار قام بذلك من غير أن يكون راغبا في الصدام مع هذه الجهة السياسية أو تلك.
ولكن كيف يمكن الوصول إلى حقيقة ما جرى في ذلك اليوم الكارثي من غير المرور بالجهة المسؤولة عن استيراد نترات الأمونيوم وتخزينها في ميناء بيروت ومنع الدولة من التصرف بها وهي الجهة نفسها التي سحبت كميات من تلك المادة الانفجارية وأعادت تصديرها إلى سوريا كما يزعم البعض؟
لا أعتقد أن في إمكان سلطة قضائية مستقلة ومحايدة أن تقوم بذلك. فليس من عمل تلك السلطة أن تقوم بتضليل العدالة من خلال القفز على الحقيقة وتمييع النتائج وإلقاء اللوم على جهات مجهولة. تلك مهمة تنطوي على قدر هائل من الاستخفاف بالشعب وكرامته وبالدولة وأمنها وسيادتها.
في إمكان ميليشيا خارجة على القانون مثل حزب الله أن تنظر باستخفاف إلى العدالة ومقوماتها وعناصر قوتها وكفاءة أدائها. ذلك ما لا يمكن أن يشاركها فيه أحد. فكيف إذا تعلق الأمر بالسلطة القضائية التي هي سلطة مستقلة لا تملك أي قوة سياسية قدرة التأثير عليها؟ لهذا سيكون من نافلة القول إن ظهور قاض مثل طارق البيطار هو أمر طبيعي وإن كانت هستيريا حزب الله قد أضفت عليه هالة بطولية. لقد أفقد هذا القاضي الشريف سيد المقاومة أعصابه فصار يهدد بتعطيل عمل الحكومة وإعلان العصيان العام.صار واضا بالنسبة إلى اللبنانيين أن مشكلاتهم لن تُحل عن طريق تشكيل حكومة جديدة، كانوا يأملون بأن العالم سيتعامل معها بثقة ومن ثم تُستعاد الثقة بلبنان.
عند هذا الحد ومع سقوط قتلى في بيروت نتيجة الاحتكاك المسلح الذي اعتبره حزب الله مجرد “بروفة” مسرحية صغيرة تمهد لما يمكن أن يقع لو بقي البيطار في منصبه، صار على الشعب اللبناني أن يقرر واحدا من أمرين، إما أن يطوي ملف الانفجار العظيم ويكون كمَن يدفن نفسه حيا تحت ركام من الشعور بالخزي والعار وإما أن يقابل الانفجار بانفجار مساو له يقتلع الطبقة السياسية الحاكمة وينهي هيمنة حزب الله على الحياة السياسية والاقتصادية.
ولكن حزب الله يدرك أنه حين يعتقل اللبنانيين في إطار فكرته عن العدالة ويبتز العالم فإن محاولته الخاسرة ستؤدي إلى أن يستمر العالم في إدارة ظهره للبنان. أليس ذلك هو المطلوب؟
وصل حزب الله إلى مرحلة، يكون فيها الطرف الثاني في المعادلة اللبنانية التي يشكل الشعب اللبناني طرفها الثاني. إما الشعب وإما حزب الله.