إيران ومرارة الملاذ الروسي
بقلم: مصطفى فحص
النشرة الدولية –
حزم وزير الخارجية الأيراني الجديد، حسين أمير عبدالهيان، حقائبه وتوجه شرقا نحو الجار الشمالي الدائم، وهو يعلم أن العلاقة بين بلاده والإمبراطورية الروسية مرتبطة منذ قرون بالحاجة الإيرانية الدائمة لظهير يدعمها، ولكنها مشروطة بما تتيحه الجغرافيا الإيرانية من ممرات حيوية تحتاجها روسيا للوصول إلى المياه الدافئة. هذه العلاقة الشائكة بينهما أصابت إيران بكثير من المرارات وجعلتها أسيرة طموحات روسيا التوسعية منذ ايفان الرهيب وصولا إلى فلاديمير بوتين.
في زيارته الأولى داس عبداللهيان على الجرح القوقازي الجديد، لم تمنعه مرارة الموقف الروسي المتواطئ ضمنا من اللجوء إلى موسكو التي بدت بالنسبة لطهران كما قال المتنبي “فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”. فخصومة روسيا في مجالها الحيوي جنوبي القوقاز كلفتها الاستراتيجية مرتفعة، والقبول بحكمها وفقا لنظام مصالحها المتقلب خسائره الجانبية كبيرة.
تدرك طهران حجم حاجتها لموسكو لذلك تتعامل معها ببراغماتية تسمح لها بالتوافق في قضايا استراتيجية والتناقض في مسائل تكتيكية، لذلك حافظ الطرفان على جوهر العلاقة الجيوستراتيجية بينهما بالرغم من أن كفة موسكو هي الراجحة فيها، لكن طهران التي تحارب على عدة جبهات من تخوم آسيا الوسطى إلى شرق المتوسط ارتضت قيادتها بهذه الشراكة غير المتكافئة لأسباب كثيره أبرزها الريبة الإيرانية من الغرب وهاجس المؤامرة، أما السبب الثاني فيعود إلى طبيعة مرشدها المعرفية والمكانية التي شكلت جزءا أساسيا من انتماءاته العقائدية والسياسية، وأثرت في رؤيته الاستراتيجية لموقع إيران الجيوسياسي، الأمر الذي سهَّل أمامه خيارات التقارب مع روسيا، حيث شهدت إيران في عهده علاقة شبه تحالفية مع الجار الروسي شبيهة بعلاقة روسيا القيصرية وفارس القاجارية.
رغبة طهران الدائمة في اللجوء إلى الملاذ الروسي في الأزمات الكبرى تجنبا لحصار أو انتكاسة أو خسارة محكمة – ابتداء من الملف النووي مرورا بالعقوبات الدولية وصولا إلى الحرب على الشعب السوري والتدخل الروسي لانقاذها وإنقاذ نظام الأسد من هزيمة حتمية – أصيبت أكثر من مرة بخيبة الأمل وبنظرة موسكو الأحادية بعيدا عن روابط المصالح الاستراتيجية بينهما، وكان آخرها الموقف الروسي من الحرب الأذربيجانية الأرمنية على إقليم ناغورني قره باغ، وإفساح موسكو المجال أمام منافسها الرئيسي في هذه المنطقة أنقرة بالعودة إلى المجال الحيوي القوقازي عبر أذربيجان وجورجيا اللتين تربطهما علاقة تحالفية مع الدول الغربية على حساب المصالح الروسية في هذه المنطقة.
مرارة طهران من موسكو لم يطفئها انضمامها الكامل لاتفاقية شنغهاي، ولا الاتفاق على وضع الأطر لإطلاق العمل على خارطة طريق تمهد لاتفاقية تعاون استراتيجي تحدد آفاق العمل المشترك بينهما على المدى البعيد، بل إن هواجس إيران القوقازية رمت بثقلها على لقاء (لافروف – عبد اللهيان)، الذي طالب بمزيد من الانخراط الروسي في الأزمة وحصر الحل بموسكو لقطع الطريق على تدخلات خارجية منحازة أصلا لمنافسي إيران في جنوب القوقاز. فقد شدد عبد اللهيان أمام نظيره الروسي على أن المنطقة لا تحتمل مزيدا من التصعيد، وأن بلاده “لن تقبل بأي تحولات جيوسياسية في المنطقة، كما لن تقبل بتعزيز الحضور الإرهابي والصهيوني فيها”، على حد تعبيره.
في اللقاء الذي جرى في 6 أكتوبر، لمس عبداللهيان ان هناك صعوبة في تغيير الموقف الروسي، وأن موسكو متمسكة بقواعد الاشتباك التي أرستها اتفاقية الهدنة التي رعتها بين أرمينيا وأذربيجان، وانه من المستحيل ان تضغط على انقرة أو باكو من أجل ضمان مصالح إيران عبر ناغورني قره باغ، وكل ما حصلت عليه من وزير خارجية روسيا لافروف آلية للتهدئة تقوم على إطلاق حوار بصيغة «3+3»؛ أي بلدان جنوب القوقاز الثلاثة (جورجيا وأرمينيا وأذربيجان)، والبلدان المجاورة الثلاثة (روسيا وتركيا وإيران) بهدف معالجة كل الأزمات القائمة في المنطقة.
تُمسك موسكو بعصا القوقاز من نصفها، تحاول طهران جرها إلى طرفها، لكنها لم تعد الطرف القادر على الحسم في منطقة تعج بلاعبين جدد تحاول موسكو تجنبهم حماية لما تبقى لها من مصالح حتى لو جاءت على حساب جارتها الدائمة في الجنوب.