تقرير: 89% من الشباب العربي يعتريهم القلق بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة

النشرة الدولية –

يشعر الشباب في عدد من الدول العربية أنهم أكثر بعدا عن أحلامهم بعد أن أصبح مستقبلهم في البلد الذي ولدوا وترعرعوا فيه بات مهددا أكثر من أي وقت مضى مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية وازدياد الصعوبات المعيشية.

ولم يبق المراهقون والشباب بمنأى عن تداعيات الأزمات على الصعد الاجتماعية والمهنية والأكاديمية والنفسية.

وتقول التونسية سلوى المنصور (19 عاما) إنها كانت تخطط للتخصّص في مجال الكيمياء الحيوية في الجامعة، لكنها اليوم لا تبدو واثقة مما تريده خصوصا بعدما بات سوق العمل ضيقا للغاية.

وتوضح “حلمي أن أكبر وأحقق طموحاتي وكل شيء أريده”، لكنها اليوم تسأل نفسها “هل سأضطر لأغيّر الاختصاص الذي أودّ متابعته بسبب الأوضاع المعيشية في البلد؟ هل سنحقّق أحلامنا أم أننا سنواصل الحلم فقط؟”.

والمنصور هي نموذج للكثير من الشباب في تونس وغيرها من الدول العربية التي تواجه تراجعا في الوضع المعيشي، سبب إحباطا وتغييرا في مخططات الشباب لتكون الأولوية لتأمين متطلبات الحياة الأساسية وسط قلق دائم بشأن عدم القدرة على تحمل تكاليف المعيشة المتزايدة يوما بعد يوم.

وكشف استطلاع “أصداء بي.سي دبليو” الثالث عشر لرأي الشباب العربي، الذي صدر هذا الأسبوع، عن قلق الشباب في عدد من الدول العربية من تكاليف المعيشة، وخاصة بعد جائحة كورونا والصراعات المستمرة والتدهور الاقتصادي.

وأثرت الأوضاع المعيشية الصعبة على الحالة النفسية للشباب وتسبب القلق بهذا الشأن بالميل إلى الانتحار في العديد من الدول العربية مثل لبنان وتونس والعراق.

وذكر موقع “المونيتور” في تقرير له أن حالات الانتحار باتت ترتفع في أوساط الشباب العراقي جراء فشل الطبقة السياسية الحاكمة في حل مشاكلهم وتحقيق أحلامهم في حياة كريمة وآمنة.

وكان مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد كشف في وقت سابق عن وقوع 298 حالة انتحار في العراق بين الفترة الممتدة من الأول من يناير حتى الثلاثين من أغسطس 2020، لتكون أعلى نسبة مقارنة بالعام 2003.

وأظهرت دراسة إحصائية حكومية ارتفاع حالات الانتحار من 319 في عام 2003، باستثناء إقليم كردستان العراق، إلى 519 في عام 2019.

لكن الأرقام قد تكون أعلى من ذلك بكثير، إذ تحاول بعض العائلات إخفاء الانتحار كسبب للوفاة بسبب الانطباع السلبي لدى المجتمع عنه، والكثير من حالات الانتحار يجري تسجيل سبب الوفاة فيها على أنه “موت مفاجئ”.

ووفقا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” فإن 4.5 مليون أي 11.7 في المئة من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر نتيجة لجائحة فايروس كورونا والآثار الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة به مما أدى إلى فقدان الكثير لوظائفهم وبالتالي ارتفاع الأسعار، وأشارت المنظمة إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 31.7 في المئة بعد أن كانت 20 في العام 2018.

وبحسب خبراء فإن الارتفاع المستمر في معدل البطالة في العراق أحد الأسباب الرئيسية للانتحار، وذكرت مصادر في الحكومة العراقية أن طرق الانتحار مختلفة، بما في ذلك الشنق والحرق والغرق والتسمم وإطلاق النار والاختناق وقطع الوريد.

وتؤكد تقارير مؤسسات الدولة العراقية أن الشباب هم الفئة الأكبر بين حالات الانتحار، وتشير إلى أن الأسباب عادة ما تكون البطالة وعدم وجود أمل في إصلاح حقيقي من شأنه تحسين أوضاعهم في البلاد.

والوضع مشابه إلى حد ما في تونس، فقد كشفت بيانات إحصائية لمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن أكثر التونسيين إقداما على الانتحار هم الذكور من الفئة العمرية بين 26 إلى 35 سنة، وذلك بنسبة 60 في المئة من الحالات المسجلة خلال شهر أغسطس الماضي.

وبيّن تقرير المنتدى أن 7 من كل 12 محاولة أو حالة انتحار قام بها شباب تجاوزوا سن الـ26، وجميعهم من الذكور، ويليهم ذكور أيضا من الشريحة العمرية بين 36 إلى 45 سنة، بمعدل حالتين من المجموع العام المسجل خلال أغسطس الماضي، ويبرز التوزيع الجغرافي للحالات المرصودة أن نصفها من محافظة تونس العاصمة، وأن 41.7 في المئة منها تم شنقا.

وفسّر عضو المنتدى الحقوقي رمضان بن عمر تنامي ظاهرة الانتحار في صفوف الشباب بثقل العبء الاجتماعي والأسري الملقى على عاتقهم، إذ باتت هذه الفئة تواجه صعوبات كبيرة بعد جائحة كورونا، ما يخلف أزمات نفسية حادة، تنتهي لدى بعضهم بالانتحار.

أما في لبنان الذي يشهد أوضاعا مأساوية، وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإنه حتى منتصف عام 2020 تبيّن أن نسبة الفقر قد بلغت 52 في المئة. ويدخل إلى سوق العمل اللبنانية نحو 30 ألف فرد سنويا، يتطلب استيعابهم خلق أكثر من ستة أضعاف عدد الوظائف الموجودة أساسا، علما بأن متوسط صافي فرص العمل المتاحة يبلغ نحو 3500 وظيفة فقط.

وازدادت مخاوف الشباب الذين كانت لديهم مشاريع مستقبلية، فهم اليوم يخشون من إضافة أعباء مالية جديدة على أسرهم التي تأثرت كما العائلات اللبنانية كافة بتداعيات الأزمة الاقتصادية في ظل انهيار الليرة والقيود المصرفية المشددة.

وتشرح رانيا عساف (18 عاما) أنها باتت غير واثقة من إمكانية دخولها سوق العمل إذا ما استمرت الأزمة وتداعياتها لسنوات طويلة، مضيفة “أشعر بالخوف والقلق بشكل يومي إزاء هذا الموضوع”.

ويرتّب الوضع القائم أعباء على المراهقين والمراهقات. وقالت المعالجة النفسية الدكتورة نازك الخوري إنّ “الضغط النفسي ليس ناتجا فقط عن عدم توجيه المراهقين بل أيضا جراء الأزمة الاقتصادية التي تشكل عائقا على درب طموحات الشباب”.

ويدفع ذلك من هم في سن المراهقة إلى “طريق غير راغبين به وغير راضين عنه، ما يؤدي إلى الاكتئاب ومحاربة النفس، فيدخلون في مرحلة التفكير المفرط وتشتّت الأفكار”.

ونصحت الخوري الشباب في هذه المرحلة بأن “يبوحوا ويصرّحوا ويعبّروا عما يزعجهم والمشكلات التي تعترضهم” انطلاقا من أن “عملية البوح عن الهواجس تعطي المشكلة حجما أصغر مما هو متوقع”.

ولا يعتري القلق الطلاب الذين يستعدون لبدء تحصيلهم العلمي الجامعي فحسب بل يطال أيضا عائلاتهم التي تراجعت قدراتها الشرائية وقيمة مدخراتها.

ووفق استطلاع “أصداء بي.سي دبليو” أعرب 89 في المئة من الشباب العربي عن قلقهم البالغ بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة. كما أكد 8 من كل 10 أشخاص قلقهم بشأن البطالة وجودة التعليم، بينما قال أكثر من ثلثهم أي 37 في المئة إنهم يكافحون لتغطية نفقاتهم. وأشار ثلث هؤلاء 33 في المئة إلى خسارتهم، هم أو أحد أفراد أسرتهم، لوظائفهم بسبب جائحة كوفيد – 19.

وتركز دراسة “أصداء بي.سي دبليو” على الفئة السكانية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تضم ما يزيد على 200 مليون شاب وشابة، وشمل الاستطلاع 3400 مواطن عربي تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما في 50 مدينة عبر 17 دولة خلال الفترة الممتدة بين السادس والثلاثين من يونيو 2021. وتم إجراء المقابلات لصالح أصداء “بي.سي دبليو” من قبل شركة “بي.إس.بي إنسايتس” المتخصصة في التحليل والدراسات الاستراتيجية العالمية، وتوزعت عينة الاستطلاع بالتساوي بين الرجال والنساء.

وقال سونيل جون رئيس شركة “بي.سي دبليو الشرق الأوسط” ومؤسس “أصداء بي.سي دبليو”، “كشف استطلاع هذا العام بعضا من تداعيات الجائحة، وكذلك المساعي اللازمة لتحقيق التطلعات المستقبلية للشباب العربي. ومن ناحية أخرى، أبرز مستوى التفاؤل والبراغماتية التي يتحلى بها الشباب العربي. وتمنحنا هذه الإيجابية حافزا مهما ومنصة ممتازة تتيح لصناع السياسات إرساء مستقبل أفضل وأجمل”.

ومُنيت اقتصادات الشرق الأوسط العام الماضي بخسائر قُدِّرت بنحو 227 مليار دولار أميركي نتيجة تفشي جائحة كوفيد – 19، مما أوصل بعض الدول إلى حافة الإفلاس. ومع هذا، ولدى سؤال الشباب عما إذا كانوا يعتقدون بأن أيامهم القادمة ستكون أفضل أم أسوأ، أعرب 60 في المئة من الشباب العربي المشاركين عن تفاؤلهم بالمستقبل، وهو أعلى مستوى تفاؤل يسجله الاستطلاع منذ خمس سنوات.

وأفاد الاستطلاع أن معظم الشباب العربي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعتقدون أن أيامهم القادمة ستكون أفضل، وذلك على الرغم من الجائحة والصراعات المستمرة والتدهور الاقتصادي غير المسبوق في المنطقة.

وكشف عن مستوى عال من المرونة والتفاؤل لدى الشبّان والشابات العرب، وكذلك عن خيبات أملهم المتزايدة بشأن البطالة وجودة التعليم وارتفاع تكاليف المعيشة.

وقال نصفهم تقريبا بنسبة 48 في المئة إنهم سيحظون بحياة أفضل من آبائهم وهي النسبة الأعلى خلال السنوات الثلاث الأخيرة. كما قال نصف المشاركين في الاستطلاع إن اقتصادات بلدانهم تسير في الاتجاه الصحيح، وتوقع معظمهم انتعاشا اقتصاديا شاملا بحلول عام 2022.

ولا تخفف هذه النتائج المبشرة من حجم التحدي الذي يواجهه صناع السياسات الإقليميون، واختار الشباب العربي ثلاث استراتيجيات لزيادة فرص العمل، وتلخصت أهم أولوياتهم في: مكافحة الفساد والمحسوبيات، وتوفير المزيد من المعلومات بشأن فرص العمل المتاحة، وإصلاح نظم التعليم. وقالوا إنهم يأملون من حكوماتهم مساعدتهم في إطلاق أعمالهم التجارية الخاصة من خلال تسهيل الإقراض والحد من الروتين الحكومي.

ورصد استطلاع هذا العام تحولا ملحوظا في الآراء بشأن حقوق الجنسين، فبينما قالت 64 في المئة من المشاركات في استطلاع العام الماضي إنهن يتمتعن بحقوق مساوية للرجال في بلدانهن، بلغت نسبتهن هذا العام أكثر من النصف بقليل 51 في المئة. وتبدو الشابات اللبنانيات الأقل حظا مقارنة بالرجال، إذ قالت نسبة 44 في المئة منهن فقط إنهن يتمتعن بحقوق مساوية للرجال مقارنة مع 60 في المئة في العام الماضي.

وتوقف أيضا تقدم النساء في أماكن العمل، حيث قالت 46 في المئة من النساء المشاركات في الاستطلاع إنهن يتمتعن بفرص مهنية مساوية للرجال مقارنة مع 52 في المئة العام الماضي. وفي مؤشر يدعو للقلق، أعربت 44 في المئة من الشابات عن اعتقادهن بأن الرجال يتمتعون بفرص مهنية أفضل منهن هذه الأيام، حيث ارتفعت هذه النسبة من 35 في المئة في العام الماضي.

وكشف الاستطلاع ازدياد نسبة الشباب العربي الذين يثقون في حكوماتهم لمعالجة مشكلاتهم، حيث يعتقد نحو ثلاثة أرباع الشباب العربي 72 في المئة أن حكوماتهم تهتم لآرائهم، وهو ما يؤيده 88 في المئة من الشباب في دول الخليج. ويسود هذا الاعتقاد أيضا حتى في دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط والتي شهدت اضطرابات كبيرة في السنوات الأخيرة.

وقالت دونا إمبيراتو الرئيس التنفيذي العالمي لوكالة “بي.سي دبليو” “على مدى 13 عاما، وفرت نتائج استطلاعنا السنوي لرأي الشباب العربي بيانات جيدة حول آمال ومخاوف وتطلعات الجيل الذي سيرسم ملامح مستقبل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هذه المنطقة التي تنطوي على أهمية كبيرة لازدهار وأمن ورفاهية العالم أجمع”.

وأضافت إمبيراتو “دأبت هذه المبادرة الفكرية الأكبر في المنطقة على توفير رؤى غير متوقعة، الأمر الذي استمر خلال هذا العام مع التفاؤل المفاجئ الذي أبداه الشباب العربي على الرغم من التحديات الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على تفشي جائحة كوفيد – 19”.

وتابعت “على العموم، تنطوي هذه الرسالة المستبشرة بالمستقبل على مسؤولية كبيرة، حيث يتعين على صناع القرار في الحكومات ومجتمع الأعمال على حد السواء أن يبذلوا ما بوسعهم لتحقيق تطلعات الشباب في بلدانهم إذا أرادوا إحراز التقدم المستمر الذي تحتاجه هذه الدول”.

وأظهرت نتائج الاستطلاع أن الشباب العربي ينظرون إلى مصر والإمارات والسعودية باعتبارها الدول الحليفة الأقوى لبلدانهم، حيث قال 8 من كل 10 أشخاص إن هذه الدول حليف حقيقي أو حليف نوعا ما لبلدانهم. كما يرى الشباب العربي أن الصين وروسيا هما رابع وخامس أقوى الحلفاء في المنطقة، بينما تأتي المملكة المتحدة والولايات المتحدة في المرتبتين الثامنة والتاسعة على التوالي. وما يزال الشباب العربي يلمسون تأثير الولايات المتحدة في الشؤون الإقليمية، فقال أكثر من نصفهم 51 في المئة إنها صاحبة التأثير الأقوى في العالم العربي تليها السعودية بنسبة 29 في المئة والإمارات بنسبة 23 في المئة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى