سقوط “الإخوان المسلمين”.. حلم يتحقّق
بقلم: منير أديب

النشرة الدولية –

عكست الخلافات الأخيرة داخل جماعة “الإخوان المسلمين” وضعية التنظيم وما آلت إليه الأمور، ليس هذا فحسب، بل كشفت أيضاً عن هشاشة الجماعة التي طالما تغنّت بقوتها وبقلة الخلافات بين قياداتها، إلى الحد الذي كان يُصور فيه التنظيم أنها منعدمة، وبالتالي يُلحق بها صفة الربانية بحكم أنها جماعة كبيرة مترامية الوجود، ورغم ذلك تنعدم الخلافات داخلها أو تكاد تُحل المشكلات من دون أن يَسمع بها أحد داخل  التنظيم أو خارجه.

دبّت الخلافات بين قيادة التنظيم الحالية ممثلة بإبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد الجماعة، والأمين العام للتنظيم الدولي، وما بين قادة الإخوان “المصريين” أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة، ومن كانوا يديرون التنظيم في مصر والعالم؛ هذه الخلافات انتهت بتحويل “منير” الى “حسين” وآخرين إلى التحقيق تمهيداً لفصلهم تماماً.

انعكاسات هذا الخلاف على التنظيم تبدو في سقوط بنائه الذي طالما شيّدته الجماعة في مصر، منذ أن وضع مؤسسها الأول لبنته عام 1928، فحافظت على أن يكون المرشد العام مصرياً، على خلاف اللائحة، وأن يكون كل أعضاء مكتب الإرشاد “الفاعلين” من المصريين، ومن هنا احتُكر التنظيم من إخوان مصر، وهو ما أزعج الإخوان المسلمين من الجنسيات الأخرى، ولكن لم يكن لهم قدرة على الاعتراض أو التغيير في الوضع.

إقالة إبراهيم منير “البريطاني” من أصول مصرية والمقيم في لندن، الإخوان “المصريين” يُعدّ تطوراً مهماً ولافتاً في حركة التنظيم، فالإخوان “المصريون” هم بمثابة المشغل والمبرمج وأصحاب القرار في التنظيم، وهم التمثيل الأكبر حتى في التنظيم الدولي، ورغم أن التنظيم العالمي أعلى صلاحية، إلا أنه يبقى تابعاً لمكتب الإرشاد! كما مجلس الشورى العام، والذي يبدو أعلى سلطة منه مكتب الإرشاد، ولكن الواقع خلاف ذلك.

قرارات إبراهيم منير الذي ما زال يحتفظ بجنسيته المصرية مع الجنسية البريطانية التي حصل عليها قبل عقود، هدفها الحقيقي هو إزاحة الإخوان المصريين من المشهد وإبطال أي قرارات قد يأخذونها، وهو ما سوف يغير من ديموغرافية التنظيم، ولذلك سوف نجد الفترةَ القادمةَ تنظيماً جديداً يختلف عن التنظيم القديم بعد قرارات القائم بأعمال المرشد، وما سوف يتمخض عنها من تصعيد متوقع.

تنظيم “الإخوان المسلمين” يأكل بعضه بعضاً، وهذا أبسط دليل على تطرف التنظيم، وأنه يظهر بصورة تبدو مختلفة عن الصورة التي هو عليها الآن، سينتهي التنظيم لو أنه تُرك لنفسه ولم تتدخل جهة ما في ما يشهده حالياً، سيصبح التنظيم رماداً تذروه الرياح بسبب عمق الخلافات التي تصل إلى حد أن كل طرف يرى الطرح الآخر خطراً على التنظيم!

الجهود التي يجب أن تُبذل في هذا السياق لا بد من أن تُحدّد في المواجهة الفكرية، بهدف تفكيك الأفكار المؤسسة للتنظيم، وهي الكفيلة بالقضاء على ما تبقى من الهياكل التنظيمية، كما أنها كفيلة بالقضاء على الأفكار التي ما زال يتغذى عليها التنظيم وما زال يقدم نفسه للنّاس من خلالها، ما دون ذلك سيعيد التنظيم للعمل مرة أخرى أو تدب فيه الروح من جديد.

تنظيم “الإخوان المسلمين” مثله مثل كل التنظيمات المتطرفة، قد تكون مواجهته الأمنية سبب بقائه؛ فهذه التنظيمات تعيش على المظلومية، وقد تأتي هذه المظلومية بنتائج، لو أن المواجهة الأمنية لم تأت بنتائج إيجابية، وهنا يمكن القول إن نتائج أي مواجه أمنية، إذا كانت سلبية، سيستفيد منها التنظيم. فمواجهة تنظيمات العنف والتطرف تحتاج حرفية تلتف على مراوغة هذه التنظيمات حتى تأتي بنتائج مثمرة.

هناك أسباب ظاهرية للخلاف العميق بين إبراهيم منير ومحمود حسين أو “الإخوان المسلمين” في مصر، قد تكون في حل مكتب إدارة الإخوان في تركيا وهيئة المكتب، وغيرها من المؤسسات التي يسيطر عليها إخوان مصر، ما أدى الى تصاعد وتيرة الخلاف وتعمقه، ولكن السبب الأهم والأولى في فهم ما يحدث قد يرتبط بالبنية الفكرية والتنظيمية للإخوان والتي لا تسمح للمختلفين بأن يعبّروا عن أنفسهم داخل التنظيم.

التنظيم لا يسمح لأعضائه بالتعبير عن أنفسهم، وهو يفرض حصاراً على المختلفين أو الشركاء السابقين للقيادة وينتمون الى فصيل الصقور، وهنا نقصد محمود حسين ومدحت الحدد ومحمد عبد الوهاب وهمام علي يوسف ورجب البنا وممدوح مبروك، وهؤلاء كانوا أعضاء في مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة، ورغم ذلك أحيلوا للتحقيق تمهيداً لفصلهم.

حالة الغضب داخل التنظيم لم تختف مطلقاً، ولكنها ظلت مكتومة وربما لم تسمح بها القيادة، فعندما يكون هذا الغضب مرتبطاً بشخصيات مثل التي ذكرناها، فإن الأمر مختلف، وهو ما سؤدي إلى انهيار التنظيم، فأنت تتحدث عن انفصال أهم عضو في جسد التنظيم “الإخوان المسلمون المصريون”.

ما يحدث داخل تنظيم الإخوان هو جزء من تحولات الجماعة، ما تشهده الجماعة الآن تمهيد للنهاية، فقد وضع التنظيم في غرفة “الإنعاش” في محاولة للسيطرة على الأوضاع، ولكن من واقع الفهم لتنظيمات العنف والتطرف وطريقة تعاطيها مع هذه الحوادث، نستطيع أن نؤكد أن الموت هو مصير التنظيم، بعدما وُضع على أجهزة التنفس الاصطناعي، كمحاولة لإبقاء التنظيم فترة أطول وليس لإضافة عمر جديد يُضاف الى عمر التنظيم.

حتى نكون منصفين، لا نستطيع القول إن الإخوان قد انتهوا ولن نسمع لهم صوتاً بعد الآن، فاختفاء الإخوان أمر سابق لأوانه، قد يحدث ولكن له مؤشرات دالة عليه، ويرتبط هذا السقوط في الوقت نفسه بآليات المواجهة المتبعة مع التنظيم، هذا الأمر لا بد من أن ينتبه إليه الجميع حتى لا ينخدعوا بالتراجع الذي يشهده التنظيم، صحيح أنه تراجع سينتهي بانهيار واختفاء، ولكنهما لم يحدثا حتى هذه اللحظة.

لا يستطيع الإنسان أن يتخلص من كل الفيروسات التي تحيط به، وإذا حدث ببعض الإجراءات الاحترازية، ولكن هذه الفيروسات أصبحت جزءاً من الحياة، وهنا كلما كانت المناعة الخاصة بالجسد قوية، كان الجسد قادراً على مواجهة هذه الفيروسات. ما نستخلصه من هذا المثال، أن “الإخوان المسلمين” وغيره من تنظيمات التطرف لم تختف نهائياً من الحياة وإن غابت، والغياب ليس دليلاً على الاختفاء والانتهاء.

التنظيم يمر بأضعف لحظات حياته، لم يعد قادراً على ممارسة نشاطة، وبات هذا النشاط بلا تأثير، وباتت أفكاره غير مبهرة للنّاس كما كان قبل ذلك، وهذه علامات شحوب تمر بها التنظيمات المتطرفة قبل الانهيار الأخير أو السقوط المدوّي. نحن نثق بسقوط التنظيم وانهياره، كما نثق بأن هذا التنظيم لم يكن معتدلاً في أي وقت من مراحلة بل كان منحازاً لاستخدام العنف، ولذلك لن يكون السؤال: هل ينهار التنظيم؟ ولكن متى ينهار  نهائياً؟

مشكلة مجتمعاتنا العربية أنها لا تجيد مواجهة تنظيمات العنف والتطرف، بعض هذه المجتمعات قد تُعلي من فكرة المواجهة، ولكنها في الوقت نفسه تحافظ على مساحة من الود والدفاع عن التنظيم، سقوط التنظيم أصبح أقرب مما يتخيلة البعض، فالتنظيم يعيش مراحله الأخيرة التي تتطلب استمراراً في المواجهة بقواعد هذه المواجهة حتى ينتهي نهائياً.

سقوط الإخوان كان حلماً ولكنه تحقق فعلاً، والواقع يشهد على هذا السقوط، فكل يوم هناك جديد بخصوص البناء التنظيمي للجماعة، الجماعة تودع الحياة، وقد تكون قراءتنا للتنظيم ملامسة للواقع الذي تشهده الجماعة. تكونت هذه القراءة من واقع المتابعة الجيدة والدقيقة للتنظيم، ومن واقع الفهم العميق للتنظيم ولأفكاره وللخلفيات النفسية لقياداته، هذه المعرفة تغذي القراءة التي طرحناها ونعتقد أنها أقرب للأحلام المتحققة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى