هل تغادر بولونيا الاتّحاد الأوروبي؟

النشرة الدولية –

تنتشر مخاوف أوروبية من احتمال مغادرة بولونيا الاتحاد الأوروبي، بعد رفض المحكمة الدستورية سيادة القانون القاري على البلاد. وصف كثر هذه الخطوة بأنها بادرة باتجاه “بوليكست قانوني” (Polexit) بما أنها تضع عراقيل عميقة للتعاون بين المحاكم البولونية والأوروبية. أطلق الحكم رد فعل من التكتل كما من قبل المواطنين البولونيين الموالين للاتحاد الأوروبي، حيث يظن البعض أنّ هذا التطور يمكن أن يقوّض إمكانية وصول وارسو إلى صناديق بروكسل. وفي أيلول (سبتمبر)، اتّهمت الحكومة البولونية برئاسة “حزب القانون والعدالة” الاتحاد الأوروبي بـ”الابتزاز”، بعدما اقترح تجميد الأموال المتعلقة بمساعدة البلاد على التعافي من جائحة “كورونا” إذا لم تقبل بسيادة القانون الأوروبي.

كانت بولونيا قد أدخلت غرفة جديدة للمحكمة العليا قادرة على معاقبة القضاة في بعض الحالات. رأت المفوضية الأوروبية أنّ تأسيس هذه الغرفة منافٍ لاستقلالية القضاء، وطلبت من محكمة العدل الأوروبية فرض غرامات يومية على بولونيا لعدم تعليقها نشاطات تلك الغرفة الجديدة. وأصدرت محكمة العدل الأوروبية حكماً ينص على أنّ النظام الجديد في تعيين قضاة بولونيين ينتهك القانون الأوروبي. بعدها، تقدّم رئيس الوزراء ماتيوس مورافيكي بطعن هو الأول من نوعه منذ تأسيس الاتحاد. بالمقابل، جاء حكم المحكمة الدستورية لمصلحة عدم السماح للقضاة المحليين بالاستعانة بالقوانين الأوروبية لنقض قرارات نظرائهم.

“خرافة مضرّة”

حذّر مسؤولو الاتحاد الأوروبي من أنّ التكتل القاري يواجه “خطر الانهيار”، إن لم يطعن بقرار المحكمة الدستورية البولونية بشأن سيادة القانون الأوروبي التي تعدّ ركيزة أساسية للتكامل الأوروبي. واجتمع حوالي 100 ألف مواطن بولوني في وارسو، الأحد الماضي، لدعم عضوية بلادهم في الاتحاد. في هذا الوقت، قال مورافيكي، الاثنين، إنّ الاتّهامات بشأن وجود نية للخروج من الاتحاد الأوروبي “خرافة مضرة”. ونظّم مؤيّدو الحكومة تظاهرات مضادة، معربين عن دعمهم لحكم المحكمة الدستورية. وبخلاف “بريكست” – المسار الذي أدى إلى مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي – لا تحتاج بولونيا إلى تنظيم استفتاء فيما لو أرادت مغادرة الاتحاد، بل كل ما يلزم الحكومة هو اتّخاذ قرار رسميّ مباشر بالطلاق مع بروكسل.

اللافت للنظر في المشهد البولوني حاجة السياسيين الدائمة لنفي أيّ نية أو اتجاه للخروج من الاتحاد الأوروبي. في أواسط أيلول، أعلن رئيس الحزب الحاكم ياروسلاف كاتشلينسكي الذي يوصف بأنه حاكم الأمر الواقع لبولونيا منذ وصول حزبه إلى السلطة سنة 2015، أنّه لن يكون هناك “بوليكست”، وأنّ مستقبل البلاد يكمن في الاتحاد “بشكل لا لبس فيه”. لكنّه بالمقابل، أكّد أنّ بلاده ترغب بالبقاء “مستقلة”، داعياً بروكسل إلى وقف “التدخل” في الشؤون الداخلية لبلاده.

معضلة

إن لم تضغط أوروبا على بولونيا للتراجع عن خطواتها القضائية، فقد تشجّع دولاً أخرى تشجيعاً غير مباشر على تحدي سيادة القانون الأوروبي على القوانين المحلية الأخرى. وبالعكس، لو مارست بروكسل ضغطاً على وارسو فقد تحفّز أكثر التيّار المناصر للخروج من الاتحاد الأوروبي على تنظيم نفسه. أو هذا ما تظنّه أوروبا بحسب ما يقوله الباحث في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” المقيم في العاصمة البولونية بيوتر بوراس لإذاعة “صوت أميركا”. ويضيف أنّ هذه المخاوف مضخّمة، لأنّ 80% من البولونيين يؤيّدون عضوية بلادهم في الاتحاد، كما أنّ الأخيرة تعتمد على السوق الداخلية وعلى الصندوق الأوروبي للتعافي من جائحة “كورونا”.

بإمكان بروكسل استخدام هاتين الأداتين في سياق ضغطها على وارسو. وهذا ما يأمله مؤيدو الاتحاد الأوروبي، من بينهم آدم لازوفسكي من “مركز الدراسات السياسية الأوروبية” ومقره بروكسل. فهو حثّ الاتحاد الأوروبي على تصعيد الضغط “إلا إذا كان يريد السماح عمداً لبولونيا بالانضمام إلى المجر في النادي الحصري لدول الاتحاد الأوروبي العصية على الإصلاح”.

لكنّ الضغط الأوروبي نفسه ليس سهل التطبيق دوماً. يبدو أنّ للأوروبيين حاجة خاصة لدور بولونيا في الاتحاد. إنّ وارسو، بحسب تعبير الكاتب في موقع “كابيتال أكس” روبرت تايلر، هي جسر مهم بين الاتحاد ودول أخرى في شرق القارة، خصوصاً تلك التي تمر في مرحلة انتقالية نحو الديموقراطية. كذلك، يبقى البولونيون داعمين أساسيين لأوكرانيا في نزاعها مع روسيا وللمعارضين البيلاروس في مواجهة نظام لوكاشينكو. مع ذلك، يبقى مؤيّدو انسحاب بولونيا من الاتحاد الأوروبي قلّة قليلة، بحسب تايلر، ولهذا السبب ينفي أن يكون أن يكون هناك احتمال لانطلاق هذا المسار في المدى المنظور.

بوليكست؟… إنّها المشكلة الأسهل

يعترف رئيس الحزب الحاكم نفسه بالواقع الشعبيّ الرافض لمغادرة الاتحاد الأوروبي. لكنّ ذلك لا يعني أنّ المشكلات انتهت بالنسبة إلى بروكسل. على العكس، إنّ بقاء بولونيا في الاتحاد الأوروبي هو المشكلة عينها بحسب مجلّة “إيكونوميست”. لقد اختارت بولونيا ما سمّته المجلة بـ”البقاء القذر” الذي يعني ملازمة الاتحاد مع إثارة المشكلات والفوضى داخله. وأضافت أنّ بريطانيا سهّلت الأمور على بروكسل مع “بريكست”، فكان الأمر أشبه بـ”طلاق ودّي” مقابل “زواج سامّ”، لأنّ حكم القانون في بولونيا هو جرح مفتوح وتهديد طويل المدى تحتاج أوروبا لحلّه من أجل الازدهار.

بهذا المعنى، قد لا يشكّل تأكيد الحزب الحاكم البقاء في أوروبا مصدر طمأنة لبروكسل. إنّ قدرة بولونيا على الاستفادة من دورها السياسي في شرق القارة ومن حضورها الراسخ و”المزعج” في النادي الأوروبي، تعطيها نفوذاً أكبر في مواجهة بروكسل. علاوة على كل ذلك، تؤمّن بولونيا مصالح تجارية حيوية لألمانيا نفسها، الأمر الذي دفع البعض إلى اتهام المستشارة المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل، بغضّ الطرف عن انزلاق وارسو بعيداً من حكم القانون لضمان تلك المصالح. في نهاية المطاف، قد يتبيّن فعلاً أنّ احتمال خروج بولونيا من الاتحاد الأوروبي هو آخر ما على أوروبا القلق بشأنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى