وتبقى الاسود أسوداً….. في الذاكرة الحية
بقلم: الدكتورة هبه حدادين
النشرة الدولية –
تلقينا بالأمس عبر المحطات الإعلامية مشهد، تحطيم وتكسير تماثيل الأسود الخمسة على دوار رام لله. قلب المدينة من أنصار الفكر الظلامي الخبيث ومحبي إثارة الفتنة شعرنا بالحزن والقهر على هذا الإرث التاريخي والحضاري في الذاكرة الحية لأجيال واجبال، امنت بالصمود والتحدي، ويقيت حارسا وشاهدا على إرث الاباء والاجداد.
ما يميز مدينة رام الله التنوع والاختلاف وقبول الاخر في إطار الوحدة، فمنذ أن تحالف جد رام الله الشيخ صقر بن راشد الحدادين مع الشيخ حسين طنّاش في الصحراء الأردنية وتعاهدا أن يعيشا أو يموتا معاً، وبعد أن هاجرا معاً إلى فلسطين وسكنا جنبا إلى جنب في مدينة رام الله، المدينة التي تمثل الإرث الحضاري والتاريخي من خلال صمود شعبها العريق، ففيها الكنيسة بجانب المسجد، والمسيحي بجانب المسلم، والتنوع الثقافي.
تأسست مدينة رام الله على يد شيخ إحدى عشائر الكرك المسيحية يدعى راشد الحدادين، حين قرر الهرب عن موطنه بسبب خلافات عشائرية في أوساط القبائل العربية البدوية، وخوفاً من الاستبداد الذي لحق به من الشيخ ذياب بن قيصوم.
قام جدنا راشد الحدادين مؤسس مدينة رام الله في منتصف القرن السادس عشر بقيادة قافلته الصغيرة عبر تلال الأردن القاحلة الى موقع غير بعيد عن مدينة القدس، ولم يعرف عندها أنه كان يقوم بوضع أسس بلدة جديدة واعدة في قلب فلسطين تدعى رام الله.
وصلت قافلة الحدادين الى منطقة حرجية تبعد ستة عشر كيلومترا شمال القدس. وهنا، وبين بقايا كهوف ما قبل التاريخ وقريتين رومانيتين، استقرت القافلة وبدأت بتأسيس بيوتها الجديدة. (حسب الرواية الشفوية، سجلات المحاكم تعطينا رواية تختلف عن أصول أهالي رام الله).
شكلت الأحراش والأحطاب المنتشرة في “خربة رام الله” آنذاك، عامل جذب لراشد الحدادين، كونها ضرورية لمهنته التي كان يمارسها في الكرك، موطنه الأصلي.
الحدادين، وبعد سماعه نبأ وفاة عدوه المتسبب في رحيله عن الكرك، قرر العودة الى دياره، في حين أصر أولاده الخمسة، والذين أصبحوا اليوم أجداد مواطني رام الله الأصليين، على البقاء فيها. وأولاد الحدادين الخمسة: صبرة، وإبراهيم، وجريس، وشقير، وحسان.
رزق كل منهم بأولاد عدة، تحولوا مع الوقت الى عائلات وحمائل، فأصبح هناك: اّل يوسف، اّل عواد، اّل الشقرة، اّل جغب، واّل عزوز.
مع مرور الزمن، بدأت رام الله تتوسع وتنهض في شتى المجالات، ففي العام 1807 تم بناء أول كنيسة للروم الأرثوذكس، وفي عام 1869 تم افتتاح مدرسة الفرندز للبنات.
في العام 1902 تم تحويل رام الله الى مقاطعة من قبل الحكومة التركية، وضمت حينها ثلاثين بلدة محيطة، حيث تم تعيين العين أحمد مراد من القدس أول حاكم لها (مدير)، وفي العام 1908 تم تحويل رام الله الى مدينة، وتم تعيين الياس عودة أول رئيس للبلدية، فيما ضم المجلس البلدي ممثلا عن كل حامولة.
وفي وقتنا الحاضر تعد مدينة رام الله أحد أهم المراكز في الضفة الغربية لكونها تحتل موقع متقدم في مجالات عدة، أهمها: السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياحية.
في الختام لنا الأمل بعمدة رام الله مهندس موسى الحديد وبكل الشرفاء والاحرار، اعادة ترميم الأسود الخمسة لتستمر منها الأجيال القوة والعزيمة والتحدي كلمة رام تعني الإرادة وبعون الله ستعود رام الله والقدس وفلسطين حرة عربية، الرحمة والخلود والسلام للروح جدنا العظيم راشد حدادين واولاده والمجد والخلود لشهداء فلسطين الأحرار.